إذاعة الشرق
شكّل انتخاب زهْران ممداني، الأميركي من أصول أوغندية وأب هندي مسلم، لعضوية جمعية ولاية نيويورك عام 2020 لحظة مفصلية في تاريخ التمثيل السياسي للأقليات المسلمة في الولايات المتحدة. إذ لم يكن مجرد انتصار فردي، بل جزءًا من تحوّل أوسع يشهده الغرب منذ مطلع الألفية الجديدة، حيث بدأت وجوه سياسية من خلفيات دينية وعرقية متعددة تدخل المعترك العام وتصل إلى مناصب كانت حكرًا تقليديًا على النخب البيضاء أو المسيحية. هذا التطور أعاد تشكيل النقاشات حول الهوية والمواطنة والانتماء، وأثار أسئلة جوهرية بشأن حدود التعددية في الديمقراطيات الغربية. غير أن ممداني لم يكن الأول؛ فقد سبقه عدد من السياسيين المنحدرين من أصول مسلمة ـ سواء عربية أو غير عربية ـ ممن شقّوا طريقهم إلى هياكل السلطة في فرنسا، وهولندا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة نفسها، وساهموا في إعادة تعريف ملامح الحياة السياسية في بلدانهم فمن هم أبرز هذه الأسماء
في فرنسا
نجاة فالو بلقاسم
وُلدت سنة 1977 في بلدة بني شيكر الريفية شمال المغرب، ووصلت إلى فرنسا في الرابعة من عمرها لتسكن مع أسرتها في الضاحية الشعبية أميان. تخرّجت في معهد الدراسات السياسية بباريس وانخرطت مبكرًا في الحزب الاشتراكي. بعد توليها حقيبة حقوق المرأة ثم حقيبة الشباب والرياضة، دخلت التاريخ في 25 أغسطس 2014 كأول امرأة ـ وأول شخصية من أصول مغاربية ومسلمة ـ تتولى وزارة التربية والتعليم العالي والبحث العلمي في الجمهورية الخامسة. في عهدها طُبِّقت إصلاحات الجوائز المدرسية، وتوسعت برامج الرقمنة، وتمّت إعادة هيكلة الأسبوع الدراسي لتقليص التفاوتات الاجتماعية. تركت بصمتها أيضًا في نشر خطاب المساواة بين الجنسين داخل المناهج. ورغم الانتقادات النقابية، فقد عزز تعيينها رمزية «إمكانية الصعود» داخل دولة اعتُبرت طويلًا صعبة الانفتاح على أبناء الهجرة.
رشيدة داتي
من أبٍ مغربي عامل وأمٍ جزائرية، وُلدت سنة 1965 في شالون سور سون، وتخرّجت في كبرى مدارس القضاء والمال. حين عيّنها الرئيس نيكولا ساركوزي وزيرةً للعدل في حكومته الأولى يوم 18 مايو 2007، أصبحت أول امرأة مسلمة ومن أصل شمال أفريقي تتقلد حقيبة سيادية في فرنسا. وقد دفعها المنصب إلى واجهة الجدل: أدخلت إصلاحًا شاملاً لنظام المحاكم وترسانة القوانين العقابية (العقوبات الدنيا الإلزامية)، مع تعزيز استقلالية النيابة، ما أكسبها لقب «المرأة الحديدية» في الإعلام المحلي. بعد ترك الوزارة شغلت مقعدًا في البرلمان الأوروبي ثم انتُخبت عمدة للدائرة السابعة الباريسية، محافظةً على حضور قوي في يمين الوسط. أثبتت تجربتها أن الرمزية يمكن أن تقترن بالحزم الأمني، وأعادت طرح أسئلة الاندماج والهوية على أجندة اليمين الجمهوري.
أحمد أبوطالب (هولندا)
وُلد سنة 1961 في بني سدّار شمال المغرب، وهاجر إلى هولندا مراهقًا، فدرس الاتصالات وأدار عدة مؤسسات إعلامية قبل أن يلتحق بحزب العمل. شغل منصب كاتب الدولة للشؤون الاجتماعية، وفي 5 يناير 2009 صار أول عمدة مسلم، وأول شخص ذو خلفية مهاجرة، يتولى رئاسة بلدية روتردام، ثاني أكبر مدينة في البلاد ومينائها الحيوي. خلال ولاياته الأربع ركّز على الأمن الحضري وتخفيض معدل الجريمة بنسبة لافتة، وروّج لسياسة «فرص متساوية مقابل مسؤوليات متساوية». بعد هجمات باريس 2015 تصدّر عناوين الصحف عندما خاطب المتطرفين بلغة مباشرة «إذا لم تعجبكم الحرّية، فاحزموا حقائبكم وارحلوا»، فحظي بإشادة أوروبية بوصفه صوت اندماج متزن وحازم معًا. نجح في تحسين صورة المسلمين في الفضاء العام الهولندي وإبراز نموذج «الولاء المزدوج» بوصفه إضافة لا تهديدًا.
صادق خان (المملكة المتحدة)
ابنُ سائق حافلة باكستاني هاجر إلى توتينغ جنوب لندن، وُلد عام 1970 وتدرّج سياسيًّا عبر حزب العمال ليصبح وزير دولة لشؤون النقل في حكومة غوردون براون. في 9 مايو 2016 حقق إنجازًا تاريخيًا بفوزه برئاسة بلدية لندن، أكبر عاصمة غربية، بعد حملة واجهت خطابًا معاديًا للمسلمين. في ولايته الأولى جمّد أسعار المواصلات، ووسّع خدمة «النايت تيوب»، وأطلق منطقة الانبعاثات المنخفضة جدًا (ULEZ) التي خفضت التلوث بدرجة ملموسة، ثم فاز بولاية ثانية وثالثة رغم ارتفاع الجريمة العنيفة الذي حمّله خصومه مسؤوليتها. حضوره في موقع رمزي كهذا أعاد تعريف «الهوية اللندنية» باعتبارها مركّبًا عالميًّا، ورسّخ فكرة الفصل بين الإيمان والممارسة السياسية العلمانية داخل المؤسسات البريطانية.
إلهان عمر (الولايات المتحدة)
وُلدت سنة 1982 في مقديشو لعائلة مسلمة، وقضت سنوات مراهقتها في مخيم لاجئين بكينيا قبل إعادة توطينها في ولاية مينيسوتا. حصلت على الجنسية الأمريكية عام 2000، وبعد نشاط مدني مكثف فازت في 6 نوفمبر 2018 بمقعد الدائرة الخامسة، لتصبح مع رشيدة طليب أول مسلمتين في مجلس النواب، والأولى التي ترتدي الحجاب تحت قبّة الكونغرس. سعت منذ اليوم الأول لتغيير قواعد اللباس التي تعود لعام 1837 فنجحت في تعديلها، ثم انضمت إلى لجنة الشؤون الخارجية، ودافعت عن سياسات تقدمية تشمل خفض ميزانية الدفاع وزيادة الضرائب على الأثرياء وإلغاء حظر السفر على دول مسلمة. وجودها في قلب المؤسسة التشريعية الأميركية صعّد من حدة الحوار حول الإسلاموفوبيا، لكنه أرسل أيضاً رسالة قوية للاجئين حول إمكان تجاوز السرديات الأحادية للهوية الوطنية.
على اختلاف سياقاتهم، أسهم هؤلاء المسؤولون في توسيع إطار المواطنة الغربي ليغدو أكثر شمولاً، وأثبتوا أن الخلفية الدينية ليست عائقًا أمام تولي أرفع المناصب حين تتوافر الإرادة السياسية والمؤسساتية. لقد مهدت تجاربهم الطريق لسياسيين لاحقين، مثل زهْران ممداني، ودفعوا النقاش العام نحو الاعتراف بدينامية الهوية المتعددة في الديمقراطيات الغربية المعاصرة.
إذاعة الشرق
شكّل انتخاب زهْران ممداني، الأميركي من أصول أوغندية وأب هندي مسلم، لعضوية جمعية ولاية نيويورك عام 2020 لحظة مفصلية في تاريخ التمثيل السياسي للأقليات المسلمة في الولايات المتحدة. إذ لم يكن مجرد انتصار فردي، بل جزءًا من تحوّل أوسع يشهده الغرب منذ مطلع الألفية الجديدة، حيث بدأت وجوه سياسية من خلفيات دينية وعرقية متعددة تدخل المعترك العام وتصل إلى مناصب كانت حكرًا تقليديًا على النخب البيضاء أو المسيحية. هذا التطور أعاد تشكيل النقاشات حول الهوية والمواطنة والانتماء، وأثار أسئلة جوهرية بشأن حدود التعددية في الديمقراطيات الغربية. غير أن ممداني لم يكن الأول؛ فقد سبقه عدد من السياسيين المنحدرين من أصول مسلمة ـ سواء عربية أو غير عربية ـ ممن شقّوا طريقهم إلى هياكل السلطة في فرنسا، وهولندا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة نفسها، وساهموا في إعادة تعريف ملامح الحياة السياسية في بلدانهم فمن هم أبرز هذه الأسماء
في فرنسا
نجاة فالو بلقاسم
وُلدت سنة 1977 في بلدة بني شيكر الريفية شمال المغرب، ووصلت إلى فرنسا في الرابعة من عمرها لتسكن مع أسرتها في الضاحية الشعبية أميان. تخرّجت في معهد الدراسات السياسية بباريس وانخرطت مبكرًا في الحزب الاشتراكي. بعد توليها حقيبة حقوق المرأة ثم حقيبة الشباب والرياضة، دخلت التاريخ في 25 أغسطس 2014 كأول امرأة ـ وأول شخصية من أصول مغاربية ومسلمة ـ تتولى وزارة التربية والتعليم العالي والبحث العلمي في الجمهورية الخامسة. في عهدها طُبِّقت إصلاحات الجوائز المدرسية، وتوسعت برامج الرقمنة، وتمّت إعادة هيكلة الأسبوع الدراسي لتقليص التفاوتات الاجتماعية. تركت بصمتها أيضًا في نشر خطاب المساواة بين الجنسين داخل المناهج. ورغم الانتقادات النقابية، فقد عزز تعيينها رمزية «إمكانية الصعود» داخل دولة اعتُبرت طويلًا صعبة الانفتاح على أبناء الهجرة.
رشيدة داتي
من أبٍ مغربي عامل وأمٍ جزائرية، وُلدت سنة 1965 في شالون سور سون، وتخرّجت في كبرى مدارس القضاء والمال. حين عيّنها الرئيس نيكولا ساركوزي وزيرةً للعدل في حكومته الأولى يوم 18 مايو 2007، أصبحت أول امرأة مسلمة ومن أصل شمال أفريقي تتقلد حقيبة سيادية في فرنسا. وقد دفعها المنصب إلى واجهة الجدل: أدخلت إصلاحًا شاملاً لنظام المحاكم وترسانة القوانين العقابية (العقوبات الدنيا الإلزامية)، مع تعزيز استقلالية النيابة، ما أكسبها لقب «المرأة الحديدية» في الإعلام المحلي. بعد ترك الوزارة شغلت مقعدًا في البرلمان الأوروبي ثم انتُخبت عمدة للدائرة السابعة الباريسية، محافظةً على حضور قوي في يمين الوسط. أثبتت تجربتها أن الرمزية يمكن أن تقترن بالحزم الأمني، وأعادت طرح أسئلة الاندماج والهوية على أجندة اليمين الجمهوري.
أحمد أبوطالب (هولندا)
وُلد سنة 1961 في بني سدّار شمال المغرب، وهاجر إلى هولندا مراهقًا، فدرس الاتصالات وأدار عدة مؤسسات إعلامية قبل أن يلتحق بحزب العمل. شغل منصب كاتب الدولة للشؤون الاجتماعية، وفي 5 يناير 2009 صار أول عمدة مسلم، وأول شخص ذو خلفية مهاجرة، يتولى رئاسة بلدية روتردام، ثاني أكبر مدينة في البلاد ومينائها الحيوي. خلال ولاياته الأربع ركّز على الأمن الحضري وتخفيض معدل الجريمة بنسبة لافتة، وروّج لسياسة «فرص متساوية مقابل مسؤوليات متساوية». بعد هجمات باريس 2015 تصدّر عناوين الصحف عندما خاطب المتطرفين بلغة مباشرة «إذا لم تعجبكم الحرّية، فاحزموا حقائبكم وارحلوا»، فحظي بإشادة أوروبية بوصفه صوت اندماج متزن وحازم معًا. نجح في تحسين صورة المسلمين في الفضاء العام الهولندي وإبراز نموذج «الولاء المزدوج» بوصفه إضافة لا تهديدًا.
صادق خان (المملكة المتحدة)
ابنُ سائق حافلة باكستاني هاجر إلى توتينغ جنوب لندن، وُلد عام 1970 وتدرّج سياسيًّا عبر حزب العمال ليصبح وزير دولة لشؤون النقل في حكومة غوردون براون. في 9 مايو 2016 حقق إنجازًا تاريخيًا بفوزه برئاسة بلدية لندن، أكبر عاصمة غربية، بعد حملة واجهت خطابًا معاديًا للمسلمين. في ولايته الأولى جمّد أسعار المواصلات، ووسّع خدمة «النايت تيوب»، وأطلق منطقة الانبعاثات المنخفضة جدًا (ULEZ) التي خفضت التلوث بدرجة ملموسة، ثم فاز بولاية ثانية وثالثة رغم ارتفاع الجريمة العنيفة الذي حمّله خصومه مسؤوليتها. حضوره في موقع رمزي كهذا أعاد تعريف «الهوية اللندنية» باعتبارها مركّبًا عالميًّا، ورسّخ فكرة الفصل بين الإيمان والممارسة السياسية العلمانية داخل المؤسسات البريطانية.
إلهان عمر (الولايات المتحدة)
وُلدت سنة 1982 في مقديشو لعائلة مسلمة، وقضت سنوات مراهقتها في مخيم لاجئين بكينيا قبل إعادة توطينها في ولاية مينيسوتا. حصلت على الجنسية الأمريكية عام 2000، وبعد نشاط مدني مكثف فازت في 6 نوفمبر 2018 بمقعد الدائرة الخامسة، لتصبح مع رشيدة طليب أول مسلمتين في مجلس النواب، والأولى التي ترتدي الحجاب تحت قبّة الكونغرس. سعت منذ اليوم الأول لتغيير قواعد اللباس التي تعود لعام 1837 فنجحت في تعديلها، ثم انضمت إلى لجنة الشؤون الخارجية، ودافعت عن سياسات تقدمية تشمل خفض ميزانية الدفاع وزيادة الضرائب على الأثرياء وإلغاء حظر السفر على دول مسلمة. وجودها في قلب المؤسسة التشريعية الأميركية صعّد من حدة الحوار حول الإسلاموفوبيا، لكنه أرسل أيضاً رسالة قوية للاجئين حول إمكان تجاوز السرديات الأحادية للهوية الوطنية.
على اختلاف سياقاتهم، أسهم هؤلاء المسؤولون في توسيع إطار المواطنة الغربي ليغدو أكثر شمولاً، وأثبتوا أن الخلفية الدينية ليست عائقًا أمام تولي أرفع المناصب حين تتوافر الإرادة السياسية والمؤسساتية. لقد مهدت تجاربهم الطريق لسياسيين لاحقين، مثل زهْران ممداني، ودفعوا النقاش العام نحو الاعتراف بدينامية الهوية المتعددة في الديمقراطيات الغربية المعاصرة.
