إذاعة الشرق
في حدث غير متوقع خلال العرض العسكري في بكين في 3 سبتمبر 2025، التقط ميكروفون مفتوح حديثًا بين الرئيسين شي جينبينغ وفلاديمير بوتين، حيث تبادلا أفكارًا مذهلة حول إمكانية أن يعيش البشر حتى 150 عامًا، وأن زراعة الأعضاء المتكررة ربما تقربهم من “الخلود”. هذا المقطع المفاجئ أشعل ساحة النقاش، ما يجعل استكشاف مدى تقدّم العلم فعليًا في هذا المجال أكثر إلحاحًا.
مصطلح “الخلود” جذاب إعلاميًا، لكنّ الطب لا يمنح حياةً لا نهائية. ما تفعله زراعة الأعضاء هو إطالة العمر الصحي واستعادة الوظائف الحيوية عندما يفشل عضوٌ أساسي. ورغم النمو القياسي عالميًا (نحو 172 ألف عضو زُرع في 2023، أي بمعدل يقارب 18 عملية كل ساعة)، يبقى العجز كبيرًا مقارنة بالحاجة.
ما الذي يحرّك الحدود الطبية اليوم؟
زرع الأعضاء بين الأنواع (Xenotransplantation): في 2024 أُجريت أول عملية زرع كلية خنزير معدَّلة جينيًا لمريض حي في مستشفى ماساتشوستس العام؛ خطوة تاريخية رغم أن نتائج المتابعة ما تزال قيد التعلّم، وتلتها حالات إضافية ضمن أطر بحثية صارمة.
حفظ الأعضاء وتحسين جودتها: الانتقال من التبريد التقليدي إلى التروية الآلية الحرارية الطبيعية (Normothermic Machine Perfusion) للكبد والكلية رفع من جودة الأعضاء وقلّل اختلاطات ما بعد الزرع. كما تُظهر تقنيات التبريد الفائق (Supercooling) قدرةً على إطالة زمن حفظ الكبد إلى ما وراء الساعات التقليدية.
أعضاء وأجهزة بديلة: تطوّر القلب الاصطناعي الكلي (Aeson) في فرنسا يمثّل تقدّمًا ملموسًا كـ“جسر إلى الزرع” وبعض الاستخدامات الممتدة. ورغم أن هذه الأجهزة لا تمنح “خلودًا”، فإنها تُبقي المرضى على قيد الحياة حتى توافر قلب متبرَّع به.
الهندسة النسيجية والأعضاء المُخلَّقة: ما زالت في طور البحث، مثل الرُقَع النسيجية والأنابيب الهوائية المُزالة الخلايا ثم إعادة هندستها، لكنها لم تصل بعد إلى إنتاج أعضاء صلبة كاملة للاستخدام الروتيني في البشر.
من هي الدول الأكثر تقدماً في هذا المجال
على الرغم من أن الحديث الذي بدأنا فيه هذا المقال، دار بين الرئيسين الصيني والروسي، إلاّ أن دولهما ليست من بين الدول التي تتصدر الأبحاث في هذا المجال.
نأتي الولايات المتحدة في المرتبة الأولى، حيث تتصدر حجم العمليات والإمكانات البحثية؛ فقد تجاوزت 48,000 عملية زرع في 2024 لأول مرة، وتستضيف أبرز برامج الزرع بين الأنواع وحفظ الأعضاء بالتروية.
بينما تأتي إسبانيا في المرتبة الأولى عالميًا في معدلات التبرع والزرع للفرد منذ أكثر من ثلاثة عقود بفضل نموذج وطني محكم للتنسيق، وسجلت رقمًا قياسيًا جديدًا في 2024.
فرنسا والمملكة المتحدة: ريادة ملحوظة في التقنيات الداعمة؛ فرنسا في تطوير القلب الاصطناعي، والمملكة المتحدة وأوروبا في تجارب التروية الحرارية للكبد والكلية وانتشارها السريري.
الحدود السريرية والأخلاقية والدينية
حتى مع هذه القفزات، تواجه الزراعة عوائق دائمة: نقص المتبرعين، كلفة الرعاية، سمّية مثبِّطات المناعة ومخاطر العدوى والأورام على المدى الطويل. ولهذا، توازن الأبحاث اليوم بين توسيع المعروض (التروية، التبريد الفائق، استخدام الأعضاء الهامشية) وبين تقليل الرفض (التعديل الجيني وبروتوكولات مناعية أدق).
“صناعة الخلود” تبقى عبارة تسويقية أكثر منها وصفًا علميًا. الواقع الطبي الحالي هو عصر إطالة العمر الوظيفي بوساطة الزرع وتقنيات الحفظ والأجهزة المساندة. وعلى المدى القريب، ستعني هذه الابتكارات قوائم انتظار أقصر ونتائج أفضل، لا حياة بلا نهاية.
فاصلة تاريخية: البحث عن الخلود
منذ أقدم الأساطير، اجتذب الإنسان حلم الخلود قلبه وعقله. ففي ملحمة جلجامش (الألفية الثالثة ق.م)، حاول الملك السومري تحقيق الأبدية بعد موت صديقه. وفي الصين القديمة، بحث الإمبراطور تشين شي هوانغ عن إكسير الحياة، رغم أن تناوله لبعضها كان قاتلاً. وعبر القرون، اجتهدت مدارس التقاليد والتصوف—في الشرق والغرب—في صهر المعادن والخلطات بحثًا عن حجر الفلاسفة أو إكسير الشباب الدائم، قبل أن تتحوّل معارفهم إلى أبحاث علمية تطمح إلى إطالة العمر المعافَى، لا إلى وعد مستحيل بالخلود.
إذاعة الشرق
في حدث غير متوقع خلال العرض العسكري في بكين في 3 سبتمبر 2025، التقط ميكروفون مفتوح حديثًا بين الرئيسين شي جينبينغ وفلاديمير بوتين، حيث تبادلا أفكارًا مذهلة حول إمكانية أن يعيش البشر حتى 150 عامًا، وأن زراعة الأعضاء المتكررة ربما تقربهم من “الخلود”. هذا المقطع المفاجئ أشعل ساحة النقاش، ما يجعل استكشاف مدى تقدّم العلم فعليًا في هذا المجال أكثر إلحاحًا.
مصطلح “الخلود” جذاب إعلاميًا، لكنّ الطب لا يمنح حياةً لا نهائية. ما تفعله زراعة الأعضاء هو إطالة العمر الصحي واستعادة الوظائف الحيوية عندما يفشل عضوٌ أساسي. ورغم النمو القياسي عالميًا (نحو 172 ألف عضو زُرع في 2023، أي بمعدل يقارب 18 عملية كل ساعة)، يبقى العجز كبيرًا مقارنة بالحاجة.
ما الذي يحرّك الحدود الطبية اليوم؟
زرع الأعضاء بين الأنواع (Xenotransplantation): في 2024 أُجريت أول عملية زرع كلية خنزير معدَّلة جينيًا لمريض حي في مستشفى ماساتشوستس العام؛ خطوة تاريخية رغم أن نتائج المتابعة ما تزال قيد التعلّم، وتلتها حالات إضافية ضمن أطر بحثية صارمة.
حفظ الأعضاء وتحسين جودتها: الانتقال من التبريد التقليدي إلى التروية الآلية الحرارية الطبيعية (Normothermic Machine Perfusion) للكبد والكلية رفع من جودة الأعضاء وقلّل اختلاطات ما بعد الزرع. كما تُظهر تقنيات التبريد الفائق (Supercooling) قدرةً على إطالة زمن حفظ الكبد إلى ما وراء الساعات التقليدية.
أعضاء وأجهزة بديلة: تطوّر القلب الاصطناعي الكلي (Aeson) في فرنسا يمثّل تقدّمًا ملموسًا كـ“جسر إلى الزرع” وبعض الاستخدامات الممتدة. ورغم أن هذه الأجهزة لا تمنح “خلودًا”، فإنها تُبقي المرضى على قيد الحياة حتى توافر قلب متبرَّع به.
الهندسة النسيجية والأعضاء المُخلَّقة: ما زالت في طور البحث، مثل الرُقَع النسيجية والأنابيب الهوائية المُزالة الخلايا ثم إعادة هندستها، لكنها لم تصل بعد إلى إنتاج أعضاء صلبة كاملة للاستخدام الروتيني في البشر.
من هي الدول الأكثر تقدماً في هذا المجال
على الرغم من أن الحديث الذي بدأنا فيه هذا المقال، دار بين الرئيسين الصيني والروسي، إلاّ أن دولهما ليست من بين الدول التي تتصدر الأبحاث في هذا المجال.
نأتي الولايات المتحدة في المرتبة الأولى، حيث تتصدر حجم العمليات والإمكانات البحثية؛ فقد تجاوزت 48,000 عملية زرع في 2024 لأول مرة، وتستضيف أبرز برامج الزرع بين الأنواع وحفظ الأعضاء بالتروية.
بينما تأتي إسبانيا في المرتبة الأولى عالميًا في معدلات التبرع والزرع للفرد منذ أكثر من ثلاثة عقود بفضل نموذج وطني محكم للتنسيق، وسجلت رقمًا قياسيًا جديدًا في 2024.
فرنسا والمملكة المتحدة: ريادة ملحوظة في التقنيات الداعمة؛ فرنسا في تطوير القلب الاصطناعي، والمملكة المتحدة وأوروبا في تجارب التروية الحرارية للكبد والكلية وانتشارها السريري.
الحدود السريرية والأخلاقية والدينية
حتى مع هذه القفزات، تواجه الزراعة عوائق دائمة: نقص المتبرعين، كلفة الرعاية، سمّية مثبِّطات المناعة ومخاطر العدوى والأورام على المدى الطويل. ولهذا، توازن الأبحاث اليوم بين توسيع المعروض (التروية، التبريد الفائق، استخدام الأعضاء الهامشية) وبين تقليل الرفض (التعديل الجيني وبروتوكولات مناعية أدق).
“صناعة الخلود” تبقى عبارة تسويقية أكثر منها وصفًا علميًا. الواقع الطبي الحالي هو عصر إطالة العمر الوظيفي بوساطة الزرع وتقنيات الحفظ والأجهزة المساندة. وعلى المدى القريب، ستعني هذه الابتكارات قوائم انتظار أقصر ونتائج أفضل، لا حياة بلا نهاية.
فاصلة تاريخية: البحث عن الخلود
منذ أقدم الأساطير، اجتذب الإنسان حلم الخلود قلبه وعقله. ففي ملحمة جلجامش (الألفية الثالثة ق.م)، حاول الملك السومري تحقيق الأبدية بعد موت صديقه. وفي الصين القديمة، بحث الإمبراطور تشين شي هوانغ عن إكسير الحياة، رغم أن تناوله لبعضها كان قاتلاً. وعبر القرون، اجتهدت مدارس التقاليد والتصوف—في الشرق والغرب—في صهر المعادن والخلطات بحثًا عن حجر الفلاسفة أو إكسير الشباب الدائم، قبل أن تتحوّل معارفهم إلى أبحاث علمية تطمح إلى إطالة العمر المعافَى، لا إلى وعد مستحيل بالخلود.
