• سبتمبر 16, 2025
  • سبتمبر 16, 2025

إذاعة الشرق

رحل الممثل والمخرج الاميركي الكبير روبرت ردفورد في سبتمبر 2025 عن عمر ناهز التاسعة والثمانين، لتطوى بذلك صفحة بارزة في تاريخ السينما الاميركية والعالمية. لم يكن ردفورد مجرد نجم سينمائي على الشاشة، فقد طغت في السنين الاخيرة شخصيته المؤثرة ليس فقط على الثقافة الاميركية، بل والعالمية. حيث صنع مؤسسات ومشاريع اثرت في اجيال من صناع الافلام ومشاهديها، وجعلت من الفن وسيلة للتغيير الثقافي والاجتماعي.

ولد ردفورد عام 1936، وبدأ مسيرته الفنية في ستينيات القرن الماضي، لم تتاخر مسيرته الفنية عن الصعود بسرعة الى مصاف النجوم العالميين عبر ادوار ستبقى خالدة في الذاكرة: “بوتش كاسيدي وطفل صندانس” (1969)، “اللدغة” (1973)، “كل رجال الرئيس” (1976)، و“خارج افريقيا” (1985). امتلك قدرة فريدة على الجمع بين الكاريزما، والعمق الدرامي، والنزعة السياسية والاجتماعية، ما جعله مختلفا عن كثير من نجوم جيله. ومع دخوله عالم الاخراج، اثبت جدارته منذ فيلمه الاول “اناس عاديون” (1980) الذي نال عنه جائزة الاوسكار، ثم تتابعت اعماله المؤثرة مثل “نهر يجري عبره” و“مسابقة (كويز شو)”. وعلى مدى العقود، حصد ردفورد اوسكار شرفي، وجائزة نقابة الممثلين عن مجمل العمل، اضافة الى ميدالية الحرية الرئاسية.

الا ان الارث الاعمق لردفورد كما اسلفنا، يتجلى في الدور الثقافي الذي لعبه عبر المؤسسات التي اسسها. ففي عام 1981 انشا “معهد صندانس”، الذي تحول الى بيئة حاضنة للسينما المستقلة. المعهد صاغ فلسفة تقوم على دعم المواهب الشابة واعطائها فرصا لتطوير افكارها واعمالها من خلال مختبرات متخصصة في السيناريو والاخراج والوثائقي والمسرح والموسيقى. هذه المبادرة كانت بمثابة ثورة في مشهد السينما الاميركية، لانها وفرت شبكة مستدامة من الدعم والارشاد، بعيدا عن حسابات هوليوود التجارية.

من المعهد انبثق “مهرجان صندانس السينمائي”، الذي غدا اكبر منصة للسينما المستقلة في الولايات المتحدة، ومختبرا لاكتشاف المواهب الجديدة. عبره، شق مخرجون عالميون طريقهم مثل كوينتن تارانتينو وستيفن سودربرغ، ثم اجيال اخرى حملت شعلة الابداع. لم يكن المهرجان مجرد عروض للافلام، بل تحول الى سوق ثقافي يربط المبدعين بالجمهور والصناعة، وظل يحافظ على بريقه حتى اليوم. وقد اعلن القائمون ان نسخة 2026 ستكون الاخيرة في ولاية يوتا، قبل ان ينتقل المهرجان الى مدينة بولدر بولاية كولورادو عام 2027. وهكذا، يغادر ردفورد عالمنا قبل ان يغادر مهرجانه موطنه الاول، تاركا خلفه اثرا يشبه الوصية: ان يتجدد الفن كما تتجدد الامكنة، وان يبقى الابداع حيا مهما تبدلت المواقع.

بالاضافة الى الجانب السينمائي تعددت افرع المهرجان الى نواح ثقافية عدة منها المسرح، ومن الثقافة الى البيئة والمناخ فقد اسس ردفورد عام 2005 مع ابنه الراحل جيمس “مركز ردفورد” الذي يركز على قضايا البيئة والمناخ. هذا المركز جعل من السرد والسينما ادوات للتاثير في الراي العام وتحفيز السياسات البيئية. ومع مرور الوقت، اصبح المركز منصة متخصصة تمنح زمالات وتدعم مشاريع سينمائية وثقافية تسعى الى الربط بين الفن وحلول المناخ. هكذا جمع ردفورد بين اهتمامه بالفن والالتزام بالقضايا الكبرى مثل العدالة البيئية.

ما يميز ارث ردفورد انه لم يختزل في النجومية او الجوائز، بل ارتبط بمشروع ثقافي مؤسسي متكامل. فقد اراد دائما ان تكون السينما مساحة للتجريب والمغامرة الفكرية، وان تساهم المؤسسات الثقافية في صنع حوار بين الفن والمجتمع. ومن خلال المعهد والمهرجان والمركز البيئي، نجح في ترك بصمة تتجاوز انجازاته الشخصية لتصبح جزءا من بنية السينما الاميركية والعالمية.

رحيل ردفورد يعد خسارة فنية وانسانية، لكن المؤسسات التي انشأها تواصل عملها وتثبت ان ما بناه كان ابعد من مجرد مسيرة فردية. واثبت ان المؤسسات لا ترتبط فقط بالمؤسسين بل تستمر لسنين، لقد ترك للاجيال القادمة فضاء للنمو والابداع والحوار، ليبقى اسمه حاضرا.

إذاعة الشرق

رحل الممثل والمخرج الاميركي الكبير روبرت ردفورد في سبتمبر 2025 عن عمر ناهز التاسعة والثمانين، لتطوى بذلك صفحة بارزة في تاريخ السينما الاميركية والعالمية. لم يكن ردفورد مجرد نجم سينمائي على الشاشة، فقد طغت في السنين الاخيرة شخصيته المؤثرة ليس فقط على الثقافة الاميركية، بل والعالمية. حيث صنع مؤسسات ومشاريع اثرت في اجيال من صناع الافلام ومشاهديها، وجعلت من الفن وسيلة للتغيير الثقافي والاجتماعي.

ولد ردفورد عام 1936، وبدأ مسيرته الفنية في ستينيات القرن الماضي، لم تتاخر مسيرته الفنية عن الصعود بسرعة الى مصاف النجوم العالميين عبر ادوار ستبقى خالدة في الذاكرة: “بوتش كاسيدي وطفل صندانس” (1969)، “اللدغة” (1973)، “كل رجال الرئيس” (1976)، و“خارج افريقيا” (1985). امتلك قدرة فريدة على الجمع بين الكاريزما، والعمق الدرامي، والنزعة السياسية والاجتماعية، ما جعله مختلفا عن كثير من نجوم جيله. ومع دخوله عالم الاخراج، اثبت جدارته منذ فيلمه الاول “اناس عاديون” (1980) الذي نال عنه جائزة الاوسكار، ثم تتابعت اعماله المؤثرة مثل “نهر يجري عبره” و“مسابقة (كويز شو)”. وعلى مدى العقود، حصد ردفورد اوسكار شرفي، وجائزة نقابة الممثلين عن مجمل العمل، اضافة الى ميدالية الحرية الرئاسية.

الا ان الارث الاعمق لردفورد كما اسلفنا، يتجلى في الدور الثقافي الذي لعبه عبر المؤسسات التي اسسها. ففي عام 1981 انشا “معهد صندانس”، الذي تحول الى بيئة حاضنة للسينما المستقلة. المعهد صاغ فلسفة تقوم على دعم المواهب الشابة واعطائها فرصا لتطوير افكارها واعمالها من خلال مختبرات متخصصة في السيناريو والاخراج والوثائقي والمسرح والموسيقى. هذه المبادرة كانت بمثابة ثورة في مشهد السينما الاميركية، لانها وفرت شبكة مستدامة من الدعم والارشاد، بعيدا عن حسابات هوليوود التجارية.

من المعهد انبثق “مهرجان صندانس السينمائي”، الذي غدا اكبر منصة للسينما المستقلة في الولايات المتحدة، ومختبرا لاكتشاف المواهب الجديدة. عبره، شق مخرجون عالميون طريقهم مثل كوينتن تارانتينو وستيفن سودربرغ، ثم اجيال اخرى حملت شعلة الابداع. لم يكن المهرجان مجرد عروض للافلام، بل تحول الى سوق ثقافي يربط المبدعين بالجمهور والصناعة، وظل يحافظ على بريقه حتى اليوم. وقد اعلن القائمون ان نسخة 2026 ستكون الاخيرة في ولاية يوتا، قبل ان ينتقل المهرجان الى مدينة بولدر بولاية كولورادو عام 2027. وهكذا، يغادر ردفورد عالمنا قبل ان يغادر مهرجانه موطنه الاول، تاركا خلفه اثرا يشبه الوصية: ان يتجدد الفن كما تتجدد الامكنة، وان يبقى الابداع حيا مهما تبدلت المواقع.

بالاضافة الى الجانب السينمائي تعددت افرع المهرجان الى نواح ثقافية عدة منها المسرح، ومن الثقافة الى البيئة والمناخ فقد اسس ردفورد عام 2005 مع ابنه الراحل جيمس “مركز ردفورد” الذي يركز على قضايا البيئة والمناخ. هذا المركز جعل من السرد والسينما ادوات للتاثير في الراي العام وتحفيز السياسات البيئية. ومع مرور الوقت، اصبح المركز منصة متخصصة تمنح زمالات وتدعم مشاريع سينمائية وثقافية تسعى الى الربط بين الفن وحلول المناخ. هكذا جمع ردفورد بين اهتمامه بالفن والالتزام بالقضايا الكبرى مثل العدالة البيئية.

ما يميز ارث ردفورد انه لم يختزل في النجومية او الجوائز، بل ارتبط بمشروع ثقافي مؤسسي متكامل. فقد اراد دائما ان تكون السينما مساحة للتجريب والمغامرة الفكرية، وان تساهم المؤسسات الثقافية في صنع حوار بين الفن والمجتمع. ومن خلال المعهد والمهرجان والمركز البيئي، نجح في ترك بصمة تتجاوز انجازاته الشخصية لتصبح جزءا من بنية السينما الاميركية والعالمية.

رحيل ردفورد يعد خسارة فنية وانسانية، لكن المؤسسات التي انشأها تواصل عملها وتثبت ان ما بناه كان ابعد من مجرد مسيرة فردية. واثبت ان المؤسسات لا ترتبط فقط بالمؤسسين بل تستمر لسنين، لقد ترك للاجيال القادمة فضاء للنمو والابداع والحوار، ليبقى اسمه حاضرا.

روبرت ردفورد يرحل عن عالمنا ليرقص مع الشمس