إذاعة الشرق
بالنسبة إلى جيل وُلد في أواخر السبعينيات وكبر وسط الحروب اللبنانية وتقلّباتها، لم يكن صوت زياد الرحباني مجرّد موسيقى؛ بل كان مدرسة كاملة في النقد والسخرية. لم تنتمِ أغانيه إلى مدرسة فنية واحدة، ولم تكن محصورة في الرقص أو الحب، بل كانت رسائل سياسية واجتماعية صريحة ومباشرة.
من النسخة الساخرة لأغنية «راجعين يا هوى»، إلى «يا زمان الطائفية» التي قدّمها على المسرح، شرعن زياد لنا حق الضحك من السلطة… ومن أنفسنا أيضاً. شجّعنا على مساءلة الشعارات الكبرى من دون خوف من تُهم التخوين.
وباستخدامه اللغة العامية وعبارات غير مسبوقة في المسرح والغناء، حرّر الخطاب الثقافي من عباءة الفصحى. وساهمت أعماله في نزع القداسة عن رموز السلطة والفن التقليدي، فحوّل في مسرحيته «بالنسبة لبُكرا شو؟» شخصيات الأب، والحزب، والزعيم إلى كائنات قابلة للسخرية، مما خفّف من وطأة “المحرّم السياسي” لدى أجيال متعاقبة.
إقرأ أيضاً: زياد الرحباني نجم يغيب ونوره باق
كما قدّمت أغانيه دروساً مبسّطة في الاقتصاد، بلا مباشرة ولا وعظ. غنّى للـ«خبز والكرامة»، وسخر من «البنك»، وعلّمنا كيف نربط بين الجيب والسياسة.
ربما كان زياد أول من قدّم نموذج “الفنان المواطن”؛ لم يكتفِ بالإبداع الفني، بل كتب في الصحف والمجلات، وشارك في برامج حوارية شكّلت علامات فارقة في الإعلام اللبناني والعربي. وإن لم يكن حاضراً جسدياً في الساحات، فقد كانت أغانيه حاضرة بقوة، تتردد في ميادين التغيير.
أما برامجه الإذاعية، فصارت ما يشبه الأسطورة المدنية؛ يُقال إن المعارك كانت تتوقف ليستمع الناس إلى ما سيقوله. فقرات نقد لاذع، تضحك اللبنانيين وتستفزهم، تتخلّلها موسيقى عالمية ساهمت في تشكيل الذائقة الموسيقية لجيلٍ كامل.
تحت تأثير زياد الرحباني، نشأ جيل يرى في التساؤل عن الأخبار أمراً بديهياً، ويستخدم النكتة لكسر التابوهات. وقد لا يدرك كثير من الشباب اليوم حجم الدين الثقافي الذي يدينون به له؛ فالثقافة الساخرة التي يمارسونها اليوم على وسائل التواصل، والحملات الشعبية ضد الفساد، تحمل بصمته حتى وإن غابت الإشارة إليه.
في 26 تموز/يوليو 2025، رحل زياد الرحباني. لكن الجيل الذي تَشكّل مع صوته وصوت الفنانين الذين آمن بهم، سيظلّ حاضراً، يردّد كلماته، ويواصل طرح أسئلته.
إذاعة الشرق
بالنسبة إلى جيل وُلد في أواخر السبعينيات وكبر وسط الحروب اللبنانية وتقلّباتها، لم يكن صوت زياد الرحباني مجرّد موسيقى؛ بل كان مدرسة كاملة في النقد والسخرية. لم تنتمِ أغانيه إلى مدرسة فنية واحدة، ولم تكن محصورة في الرقص أو الحب، بل كانت رسائل سياسية واجتماعية صريحة ومباشرة.
من النسخة الساخرة لأغنية «راجعين يا هوى»، إلى «يا زمان الطائفية» التي قدّمها على المسرح، شرعن زياد لنا حق الضحك من السلطة… ومن أنفسنا أيضاً. شجّعنا على مساءلة الشعارات الكبرى من دون خوف من تُهم التخوين.
وباستخدامه اللغة العامية وعبارات غير مسبوقة في المسرح والغناء، حرّر الخطاب الثقافي من عباءة الفصحى. وساهمت أعماله في نزع القداسة عن رموز السلطة والفن التقليدي، فحوّل في مسرحيته «بالنسبة لبُكرا شو؟» شخصيات الأب، والحزب، والزعيم إلى كائنات قابلة للسخرية، مما خفّف من وطأة “المحرّم السياسي” لدى أجيال متعاقبة.
إقرأ أيضاً: زياد الرحباني نجم يغيب ونوره باق
كما قدّمت أغانيه دروساً مبسّطة في الاقتصاد، بلا مباشرة ولا وعظ. غنّى للـ«خبز والكرامة»، وسخر من «البنك»، وعلّمنا كيف نربط بين الجيب والسياسة.
ربما كان زياد أول من قدّم نموذج “الفنان المواطن”؛ لم يكتفِ بالإبداع الفني، بل كتب في الصحف والمجلات، وشارك في برامج حوارية شكّلت علامات فارقة في الإعلام اللبناني والعربي. وإن لم يكن حاضراً جسدياً في الساحات، فقد كانت أغانيه حاضرة بقوة، تتردد في ميادين التغيير.
أما برامجه الإذاعية، فصارت ما يشبه الأسطورة المدنية؛ يُقال إن المعارك كانت تتوقف ليستمع الناس إلى ما سيقوله. فقرات نقد لاذع، تضحك اللبنانيين وتستفزهم، تتخلّلها موسيقى عالمية ساهمت في تشكيل الذائقة الموسيقية لجيلٍ كامل.
تحت تأثير زياد الرحباني، نشأ جيل يرى في التساؤل عن الأخبار أمراً بديهياً، ويستخدم النكتة لكسر التابوهات. وقد لا يدرك كثير من الشباب اليوم حجم الدين الثقافي الذي يدينون به له؛ فالثقافة الساخرة التي يمارسونها اليوم على وسائل التواصل، والحملات الشعبية ضد الفساد، تحمل بصمته حتى وإن غابت الإشارة إليه.
في 26 تموز/يوليو 2025، رحل زياد الرحباني. لكن الجيل الذي تَشكّل مع صوته وصوت الفنانين الذين آمن بهم، سيظلّ حاضراً، يردّد كلماته، ويواصل طرح أسئلته.
