عمرو سواح
حين طلعت شمس الصباح في ال8 من ديسمبر/كانون الأول 2024 لم يكن السوريون قد ناموا بعد، ليلة طويلة عاشها السوريون أينما كانوا على الكوكب. توزعت الأعين بين شاشات التلفزيون ومنصات التواصل الاجتماعي واتصالات الاطمئنان على الأهل والأقارب. كانوا قد عاشوا أحد عشر يوما توصف اليوم بأنها الأكثر درامية في التاريخ السوري الحديث.
كثير من السيناريوهات السوداء التي بنى عليها نظام الأسد سطوته وحديثه الدائم عن الفوضى والحرب الأهلية انهارت خلال ساعات. نزل السوريون إلى الساحات في مدن الداخل وعواصم اللجوء، وسجلت في حوالى الساعة 06:18 من صباح 8 ديسمبر/كانون الأول لحظة إعلان سقوط بشار الأسد وانهيارهذه الدكتاتورية التي جثمت لوقت طويل على صدور السوريين.
خلال أحد عشر يوما انهار الجيش الموالي لبشار الأسد من أطراف حلب حتى قلب دمشق تحت ضربات هجوم خاطف قادته فصائل معارضة تتصدرها هيئة تحرير الشام، واضطر الرئيس السابق إلى الفرار بطائرة روسية إلى موسكو وسط بلبلة وتكهنات عن وجهته ومصيره. هكذا أُسدل الستار على أكثر من خمسة عقود من حكم عائلة الأسد وحزب البعث وعلى حرب شنها النظام على شعبه بعد ثورة 2011 كي يبقى في السلطة، حرب حصدت مئات الآلاف وشرّدت الملايين.
بعد عام على تلك اللحظة الفاصلة ما الذي تغير فعلا بين الساعة 06:18 من صباح 2024 والساعة نفسها من صباح 2025؟
ما الذي تحقق فعلا؟
عودة العلاقات الدبلوماسية
بعد أيام من سقوط النظام بدأت دول عربية عدة استئناف نشاط بعثاتها في دمشق. أعادت بعض السفارات فتح أبوابها بسرعة، بينما اكتفت أخرى ببعثات محدودة أو قائمين بالأعمال. كانت تركيا من أوائل الدول الإقليمية التي أعادت تمثيلها الدبلوماسي في دمشق في ديسمبر/كانون الأول 2024، وهو تحول غير متصور قبل سنوات قليلة. ومع مطلع صيف 2025 أعلنت بريطانيا استئناف علاقاتها الدبلوماسية وزار وزير خارجيتها دمشق، فيما كثفت فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي اتصالاتهم السياسية والإنسانية مع الحكومة الانتقالية.
مع نهاية العام الأول كانت سوريا قد استعادت قنوات اتصال رسمية مع عدد كبير من الدول العربية ومع ما يقارب عشر دول أوروبية وغربية بدرجات متفاوتة من التمثيل والانخراط، من زيارات وزارية إلى فتح سفارات وإيفاد مبعوثين خاصين.
كما قام الشرع أو وزير خارجيته بعدد كبير من الزيارات الخارجية، ربما كان على رأسها الجولة الأولى إلى الرياض التي أكد من خلالها العودة إلى الحضن العربي، والشراكة العربية في إعادة بناء سوريا، ثم إلى واشنطن لبحث تخفيف العقوبات والتعاون الأمني.
تلتها زيارات إلى باريس كأول محطة أوروبية، ومن الزيارات الهامة كانت زياراته إلى الإمارات لتعزيز الدعم الاقتصادي، إضافة إلى مشاركات خارجية في أذربيجان والبرازيل ضمن ملفات التعاون الدولي. مثّلت هذه الرحلات مجتمعة عودة نشطة للدبلوماسية السورية إلى الساحات العربية والدولية بعد سنوات من الانقطاع.
رفع العقوبات وفتح الاقتصاد

الكونغرس يوافق على إلغاء قانون قيصر
عام 2025 حمل بدايات خروج سوريا من طوق العقوبات الثقيلة. في مايو/أيار خفف الاتحاد الأوروبي القيود الاقتصادية الرئيسية المرتبطة بالتعامل مع الحكومة الجديدة مع الإبقاء على إجراءات خاصة بأفراد وكيانات مرتبطة بالأسد وبملفات السلاح والكيماوي. وفي يونيو/حزيران أنهت الولايات المتحدة الإطار العام لعقوبات قيصر والعقوبات الواسعة على الاقتصاد السوري مع استمرار العقوبات الفردية على رموز النظام السابق وشبكاته. كما يدور الحديث عن استعداد الكونغرس الأمريكي في إطار قانون تفويض الدفاع الوطني للسنة المالية 2026، لإلغاء عقوبات “قانون قيصر” المفروضة على سوريا. جاء ذلك في مسودة وثيقة مُعدّة في إطار قانون تفويض الدفاع الوطني، وتطلب مراجعة دورية لأداء الحكومة السورية.
هذا الانفراج فتح الباب أمام الحديث عن عودة الاستثمارات الخليجية والدولية وعودة شركات اتصالات وطاقة وخطوط طيران عربية وأجنبية. بدأت ورش إعمار صغيرة ومتوسطة تظهر في ضواحي دمشق وحلب وحمص، وتحرّك السوق العقاري وقطاع الخدمات والسياحة الداخلية. لم يتحول الاقتصاد إلى قصة نجاح بعد، لكنه خرج من حالة الاختناق الكامل التي طبعت السنوات الأخيرة من حكم الأسد.
هامش حرية سياسي أوسع
رغم كل القيود الحالية تبدو المساحة السياسية اليوم أوسع بكثير مما كانت عليه في زمن الأسد. السوريون أصبحوا قادرين على انتقاد السلطة في العلن، تظهر تجمعات سياسية جديدة وتيارات مدنية وشبابية، والصحافة المحلية الناشئة بدأت تستعيد أنفاسها.
الحكومة الانتقالية قامت بحل البرلمان القديم وتعليق الدستور السابق وأصدرت دستورا مؤقتا ينظم المرحلة الانتقالية. للمرة الأولى منذ عقود يوجد شيء من التعدد في المشهد السياسي حتى لو ظل محدودا وشديد الهشاشة. هناك قوى مدنية وليبرالية ويسارية وإسلامية تحاول أن تجد مكانا لها في الحياة العامة، وتظهر نقاشات مفتوحة حول صلاحيات الرئيس الانتقالي وشكل النظام المقبل.
عودة اللاجئين واستئناف الحياة
على الرغم من بطء وتيرة الإعمار وغياب الأمان الكامل في بعض المناطق عاد أكثر من ثلاثة ملايين سوري من دول الجوار وأوروبا وتركيا خلال العام الأول وفق تقديرات منظمات دولية ومحلية. عادت الحياة إلى
أحياء في دمشق وحلب وحمص كانت شبه خالية قبل عام، وبدأت المدارس في الضواحي تفتح أبوابها من جديد، وارتفعت أصوات الأطفال في حدائق كانت قبل وقت قصير خطوط تماس.
مبادرات محلية كثيرة ظهرت لإعادة البناء وترميم البيوت وفتح الأسواق الشعبية. كثير من السوريين في الخارج بدأوا يفكرون جديا في العودة أو في استثمار مدخراتهم في بلدهم. العودة لم تكن واسعة كما حلم السوريون لكنها بدأت فعلا وهذا وحده تحول كبير في بلد عاش أكثر من عقد في موجات نزوح ولجوء بلا توقف.

لكن ما هي التحديات ؟
التعددية والدستور المؤقت
رغم الخطاب الرسمي عن بناء دولة جديدة للجميع ما يزال الدستور المؤقت يعطي سلطات واسعة للرئيس الانتقالي ويؤجل الانتخابات العامة لسنوات مقبلة، وهو ما يجعل مشهد التعددية هشا ومعلقا على إرادة قلة من الفاعلين.
الأقليات الدينية والقومية ما تزال تخشى من تهميشها أو استهدافها، خاصة في المناطق التي شهدت صدامات طائفية في سنوات الحرب. المعارضة المدنية ترى أن الإصلاحات السياسية حتى الآن أقرب إلى إجراءات شكلية أمام استمرار جزء من بنية الدولة الأمنية بأسماء جديدة. الخوف من عودة الاستبداد في ثوب آخر حاضر بقوة في نقاشات النخب والشارع.
الساحل السوري
الساحل كان من أكثر المناطق تأثرا بثمن سقوط النظام. شهد في مارس/آذار 2025 أحداثا دموية ثقيلة تركت جروحا عميقة لدى السكان، من اغتيالات واعتداءات إلى تهجير في بعض القرى.
مشاعر الخوف والخذلان مسيطرة عند كثير من العلويين الذين كانوا عماد قاعدة النظام السابقة. برزت أصوات تطالب بحكم ذاتي موسع أو شكل من اللامركزية الخاصة نتيجة شعور بأن الدولة الجديدة لم توفر الحماية الكافية وأن الثأر قد يتكرر في أي لحظة. ملف الساحل اليوم أحد أعقد ملفات المصالحة الوطنية وأي مشروع جدي للعدالة الانتقالية لا يمكن أن يتجاهله.
السويداء والجنوب
في الجنوب لا يزال المشهد متوترا. السويداء تحديدا عاشت اشتباكات دامية في منتصف 2025 بين مجموعات محلية مسلحة وقوى أمنية تابعة للحكومة الانتقالية، تداخلت فيها أيضا تدخلات إقليمية وشبكات تهريب وسلاح.
هذه الأحداث ساهمت في انهيار ما تبقى من الثقة بين جزء من السكان الدروز والسلطة المركزية. يشعر كثيرون في السويداء أنهم دفعوا ثمن موقفهم المعارض للنظام السابق دون أن يحصلوا على تمثيل حقيقي في النظام الجديد، وأن مطالبهم الاقتصادية والأمنية لا تُسمع إلا بعد انفجار الشارع. الجنوب كله يحتاج إلى مقاربة سياسية واقتصادية عميقة لا إلى لجان تحقيق وحلول أمنية مؤقتة.
الشمال والمهجرون
الشمال السوري ما زال يعيش واقعا معقدا. في جزء من المنطقة ينتشر الجيش الوطني الجديد وقوى الأمن التابعة للحكومة الانتقالية، وفي جزء آخر تستمر سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، ومعهما وجود مباشر أو غير مباشر لتركيا في شريط واسع على الحدود.
هذه الخارطة المتداخلة تجعل ملايين المدنيين يعيشون بين خطوط تماس لم تنقطع تماما. اقتصاد الحرب لم يغادر الشمال بعد، والتهريب والاقتصاد الموازي والأتاوات ما تزال جزءا من الحياة اليومية للناس.
ملف المهجرين يظل الأثقل. ما تزال أعداد كبيرة من السوريين خارج البلاد، وملايين في الداخل يعتمدون على المساعدات الإغاثية أو يعيشون في مساكن مؤقتة. كثير من سكان المخيمات في الشمال ينظرون بمرارة إلى صور الأحياء التي تُرمم في دمشق وحلب وهم لا يعرفون متى سيكون لهم بيت ثابت وجنسية ووثائق كاملة.
عام أول من الحرية التي تحلم بأن تكتمل
مع أن الحرية عادت إلى السوريين منذ سنة واحدة فقط، يشعر قطاع واسع أن الحكومة الانتقالية مقصرة ولم تحقق ما يكفي من العدالة والأمان والفرص الاقتصادية. في المقابل يعتقد آخرون أن ما تحقق خلال عام واحد فقط بعد أكثر من عقد من الحرب وانهيار شبه كامل لمؤسسات الدولة إنجاز كبير قياسا بحجم الخراب الموروث.
بين هذين الشعورين يعيش السوريون اليوم. لا أحد يريد العودة إلى زمن الأسد، لكن الخوف من أن تضيع الفرصة التاريخية لبناء دولة عادلة يزداد مع كل يوم. ما بين الساعة 06:18 من صباح 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 والساعة نفسها في 2025 تغير الكثير، لكنه لم يكن كافيا بعد لإغلاق جراح حرب طويلة ولا لكتابة صفحة جديدة نهائية في تاريخ سوريا.
عمرو سواح
حين طلعت شمس الصباح في ال8 من ديسمبر/كانون الأول 2024 لم يكن السوريون قد ناموا بعد، ليلة طويلة عاشها السوريون أينما كانوا على الكوكب. توزعت الأعين بين شاشات التلفزيون ومنصات التواصل الاجتماعي واتصالات الاطمئنان على الأهل والأقارب. كانوا قد عاشوا أحد عشر يوما توصف اليوم بأنها الأكثر درامية في التاريخ السوري الحديث.
كثير من السيناريوهات السوداء التي بنى عليها نظام الأسد سطوته وحديثه الدائم عن الفوضى والحرب الأهلية انهارت خلال ساعات. نزل السوريون إلى الساحات في مدن الداخل وعواصم اللجوء، وسجلت في حوالى الساعة 06:18 من صباح 8 ديسمبر/كانون الأول لحظة إعلان سقوط بشار الأسد وانهيارهذه الدكتاتورية التي جثمت لوقت طويل على صدور السوريين.
خلال أحد عشر يوما انهار الجيش الموالي لبشار الأسد من أطراف حلب حتى قلب دمشق تحت ضربات هجوم خاطف قادته فصائل معارضة تتصدرها هيئة تحرير الشام، واضطر الرئيس السابق إلى الفرار بطائرة روسية إلى موسكو وسط بلبلة وتكهنات عن وجهته ومصيره. هكذا أُسدل الستار على أكثر من خمسة عقود من حكم عائلة الأسد وحزب البعث وعلى حرب شنها النظام على شعبه بعد ثورة 2011 كي يبقى في السلطة، حرب حصدت مئات الآلاف وشرّدت الملايين.
بعد عام على تلك اللحظة الفاصلة ما الذي تغير فعلا بين الساعة 06:18 من صباح 2024 والساعة نفسها من صباح 2025؟
ما الذي تحقق فعلا؟
عودة العلاقات الدبلوماسية
بعد أيام من سقوط النظام بدأت دول عربية عدة استئناف نشاط بعثاتها في دمشق. أعادت بعض السفارات فتح أبوابها بسرعة، بينما اكتفت أخرى ببعثات محدودة أو قائمين بالأعمال. كانت تركيا من أوائل الدول الإقليمية التي أعادت تمثيلها الدبلوماسي في دمشق في ديسمبر/كانون الأول 2024، وهو تحول غير متصور قبل سنوات قليلة. ومع مطلع صيف 2025 أعلنت بريطانيا استئناف علاقاتها الدبلوماسية وزار وزير خارجيتها دمشق، فيما كثفت فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي اتصالاتهم السياسية والإنسانية مع الحكومة الانتقالية.
مع نهاية العام الأول كانت سوريا قد استعادت قنوات اتصال رسمية مع عدد كبير من الدول العربية ومع ما يقارب عشر دول أوروبية وغربية بدرجات متفاوتة من التمثيل والانخراط، من زيارات وزارية إلى فتح سفارات وإيفاد مبعوثين خاصين.
كما قام الشرع أو وزير خارجيته بعدد كبير من الزيارات الخارجية، ربما كان على رأسها الجولة الأولى إلى الرياض التي أكد من خلالها العودة إلى الحضن العربي، والشراكة العربية في إعادة بناء سوريا، ثم إلى واشنطن لبحث تخفيف العقوبات والتعاون الأمني.
تلتها زيارات إلى باريس كأول محطة أوروبية، ومن الزيارات الهامة كانت زياراته إلى الإمارات لتعزيز الدعم الاقتصادي، إضافة إلى مشاركات خارجية في أذربيجان والبرازيل ضمن ملفات التعاون الدولي. مثّلت هذه الرحلات مجتمعة عودة نشطة للدبلوماسية السورية إلى الساحات العربية والدولية بعد سنوات من الانقطاع.
رفع العقوبات وفتح الاقتصاد

الكونغرس يوافق على إلغاء قانون قيصر
عام 2025 حمل بدايات خروج سوريا من طوق العقوبات الثقيلة. في مايو/أيار خفف الاتحاد الأوروبي القيود الاقتصادية الرئيسية المرتبطة بالتعامل مع الحكومة الجديدة مع الإبقاء على إجراءات خاصة بأفراد وكيانات مرتبطة بالأسد وبملفات السلاح والكيماوي. وفي يونيو/حزيران أنهت الولايات المتحدة الإطار العام لعقوبات قيصر والعقوبات الواسعة على الاقتصاد السوري مع استمرار العقوبات الفردية على رموز النظام السابق وشبكاته. كما يدور الحديث عن استعداد الكونغرس الأمريكي في إطار قانون تفويض الدفاع الوطني للسنة المالية 2026، لإلغاء عقوبات “قانون قيصر” المفروضة على سوريا. جاء ذلك في مسودة وثيقة مُعدّة في إطار قانون تفويض الدفاع الوطني، وتطلب مراجعة دورية لأداء الحكومة السورية.
هذا الانفراج فتح الباب أمام الحديث عن عودة الاستثمارات الخليجية والدولية وعودة شركات اتصالات وطاقة وخطوط طيران عربية وأجنبية. بدأت ورش إعمار صغيرة ومتوسطة تظهر في ضواحي دمشق وحلب وحمص، وتحرّك السوق العقاري وقطاع الخدمات والسياحة الداخلية. لم يتحول الاقتصاد إلى قصة نجاح بعد، لكنه خرج من حالة الاختناق الكامل التي طبعت السنوات الأخيرة من حكم الأسد.
هامش حرية سياسي أوسع
رغم كل القيود الحالية تبدو المساحة السياسية اليوم أوسع بكثير مما كانت عليه في زمن الأسد. السوريون أصبحوا قادرين على انتقاد السلطة في العلن، تظهر تجمعات سياسية جديدة وتيارات مدنية وشبابية، والصحافة المحلية الناشئة بدأت تستعيد أنفاسها.
الحكومة الانتقالية قامت بحل البرلمان القديم وتعليق الدستور السابق وأصدرت دستورا مؤقتا ينظم المرحلة الانتقالية. للمرة الأولى منذ عقود يوجد شيء من التعدد في المشهد السياسي حتى لو ظل محدودا وشديد الهشاشة. هناك قوى مدنية وليبرالية ويسارية وإسلامية تحاول أن تجد مكانا لها في الحياة العامة، وتظهر نقاشات مفتوحة حول صلاحيات الرئيس الانتقالي وشكل النظام المقبل.
عودة اللاجئين واستئناف الحياة
على الرغم من بطء وتيرة الإعمار وغياب الأمان الكامل في بعض المناطق عاد أكثر من ثلاثة ملايين سوري من دول الجوار وأوروبا وتركيا خلال العام الأول وفق تقديرات منظمات دولية ومحلية. عادت الحياة إلى
أحياء في دمشق وحلب وحمص كانت شبه خالية قبل عام، وبدأت المدارس في الضواحي تفتح أبوابها من جديد، وارتفعت أصوات الأطفال في حدائق كانت قبل وقت قصير خطوط تماس.
مبادرات محلية كثيرة ظهرت لإعادة البناء وترميم البيوت وفتح الأسواق الشعبية. كثير من السوريين في الخارج بدأوا يفكرون جديا في العودة أو في استثمار مدخراتهم في بلدهم. العودة لم تكن واسعة كما حلم السوريون لكنها بدأت فعلا وهذا وحده تحول كبير في بلد عاش أكثر من عقد في موجات نزوح ولجوء بلا توقف.

لكن ما هي التحديات ؟
التعددية والدستور المؤقت
رغم الخطاب الرسمي عن بناء دولة جديدة للجميع ما يزال الدستور المؤقت يعطي سلطات واسعة للرئيس الانتقالي ويؤجل الانتخابات العامة لسنوات مقبلة، وهو ما يجعل مشهد التعددية هشا ومعلقا على إرادة قلة من الفاعلين.
الأقليات الدينية والقومية ما تزال تخشى من تهميشها أو استهدافها، خاصة في المناطق التي شهدت صدامات طائفية في سنوات الحرب. المعارضة المدنية ترى أن الإصلاحات السياسية حتى الآن أقرب إلى إجراءات شكلية أمام استمرار جزء من بنية الدولة الأمنية بأسماء جديدة. الخوف من عودة الاستبداد في ثوب آخر حاضر بقوة في نقاشات النخب والشارع.
الساحل السوري
الساحل كان من أكثر المناطق تأثرا بثمن سقوط النظام. شهد في مارس/آذار 2025 أحداثا دموية ثقيلة تركت جروحا عميقة لدى السكان، من اغتيالات واعتداءات إلى تهجير في بعض القرى.
مشاعر الخوف والخذلان مسيطرة عند كثير من العلويين الذين كانوا عماد قاعدة النظام السابقة. برزت أصوات تطالب بحكم ذاتي موسع أو شكل من اللامركزية الخاصة نتيجة شعور بأن الدولة الجديدة لم توفر الحماية الكافية وأن الثأر قد يتكرر في أي لحظة. ملف الساحل اليوم أحد أعقد ملفات المصالحة الوطنية وأي مشروع جدي للعدالة الانتقالية لا يمكن أن يتجاهله.
السويداء والجنوب
في الجنوب لا يزال المشهد متوترا. السويداء تحديدا عاشت اشتباكات دامية في منتصف 2025 بين مجموعات محلية مسلحة وقوى أمنية تابعة للحكومة الانتقالية، تداخلت فيها أيضا تدخلات إقليمية وشبكات تهريب وسلاح.
هذه الأحداث ساهمت في انهيار ما تبقى من الثقة بين جزء من السكان الدروز والسلطة المركزية. يشعر كثيرون في السويداء أنهم دفعوا ثمن موقفهم المعارض للنظام السابق دون أن يحصلوا على تمثيل حقيقي في النظام الجديد، وأن مطالبهم الاقتصادية والأمنية لا تُسمع إلا بعد انفجار الشارع. الجنوب كله يحتاج إلى مقاربة سياسية واقتصادية عميقة لا إلى لجان تحقيق وحلول أمنية مؤقتة.
الشمال والمهجرون
الشمال السوري ما زال يعيش واقعا معقدا. في جزء من المنطقة ينتشر الجيش الوطني الجديد وقوى الأمن التابعة للحكومة الانتقالية، وفي جزء آخر تستمر سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، ومعهما وجود مباشر أو غير مباشر لتركيا في شريط واسع على الحدود.
هذه الخارطة المتداخلة تجعل ملايين المدنيين يعيشون بين خطوط تماس لم تنقطع تماما. اقتصاد الحرب لم يغادر الشمال بعد، والتهريب والاقتصاد الموازي والأتاوات ما تزال جزءا من الحياة اليومية للناس.
ملف المهجرين يظل الأثقل. ما تزال أعداد كبيرة من السوريين خارج البلاد، وملايين في الداخل يعتمدون على المساعدات الإغاثية أو يعيشون في مساكن مؤقتة. كثير من سكان المخيمات في الشمال ينظرون بمرارة إلى صور الأحياء التي تُرمم في دمشق وحلب وهم لا يعرفون متى سيكون لهم بيت ثابت وجنسية ووثائق كاملة.
عام أول من الحرية التي تحلم بأن تكتمل
مع أن الحرية عادت إلى السوريين منذ سنة واحدة فقط، يشعر قطاع واسع أن الحكومة الانتقالية مقصرة ولم تحقق ما يكفي من العدالة والأمان والفرص الاقتصادية. في المقابل يعتقد آخرون أن ما تحقق خلال عام واحد فقط بعد أكثر من عقد من الحرب وانهيار شبه كامل لمؤسسات الدولة إنجاز كبير قياسا بحجم الخراب الموروث.
بين هذين الشعورين يعيش السوريون اليوم. لا أحد يريد العودة إلى زمن الأسد، لكن الخوف من أن تضيع الفرصة التاريخية لبناء دولة عادلة يزداد مع كل يوم. ما بين الساعة 06:18 من صباح 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 والساعة نفسها في 2025 تغير الكثير، لكنه لم يكن كافيا بعد لإغلاق جراح حرب طويلة ولا لكتابة صفحة جديدة نهائية في تاريخ سوريا.


