• يوليو 19, 2025
  • يوليو 19, 2025

إذاعة الشرق 

شهد المسرح السعودي خلال الأعوام الأخيرة يقظة متأنّية تحمل في طيّاتها طموحًا للانفتاح على العالم دون قفزات استعراضية. جاءت مشاركة المملكة العربية السعودية في مهرجان أفينيون 2025 تتويجًا لهذا المسار، لا بوصفها مفاجأة دعائية، بل بوصفها امتدادًا طبيعيًا لوعي ثقافي يتشكّل بهدوء. في قلب هذه المشاركة برزت مسرحية «طوق» للمخرج فهد الدوسري، عملٌ اختير بعناية ليكون سفيرًا للمسرح السعودي الناشئ في فضاء أوروبي عريق، ناطقًا بالعربية الفصحى على خشبة لم تعتد سماعها كثيرًا.

قليل من العبث في الزمن 

عودة إلى مدرسة مسرح العبث في مسرحية «طوق» مع بنية درامية ذات طابع دائري، تتكرر فيها المشاهد لتعبّر عن سطوة الروتين وهيمنة الزمن على الإنسان. شخصيات العمل، موظفون في دائرة رتيبة، يعيدون تفاصيل يومهم بنفس الحوارات والحركات، في محاكاة مسرحية لعبث التكرار والجمود. داخل هذا النمط، يبرز مشرف القسم، شخصية تنزع إلى التمرد، فيسعى إلى كسر هذا التكرار ومخاطبة زملائه كي يشاركوه الخروج من الحلقة المفرغة.

يظهر الصراع هنا بين الإرادة الفردية وممانعة الجماعة، بين صوت الذات الباحثة عن معنى، وجوقة الحياة التي تسحقه بآلياتها المستقرة. يقدم النص فكرة عميقة ببساطة درامية: ما هو الثمن الذي يدفعه من يحاول الخروج عن الدور؟ وفي لحظة ذكية من العمل، يُكسر الجدار الرابع ويُسائل الممثل الجمهور صراحة: “ألم تملّوا بعد؟”، ليضع المتفرج وجهًا لوجه أمام نفسه وحياته اليومية.

لغة الإخراج وصوت الممثل

اعتمد المخرج فهد الدوسري في رؤيته على إيقاع داخلي مضبوط، يوظّف التكرار لا ليملّ المشاهد، بل ليجعله جزءًا من التجربة الذهنية التي يعيشها أبطال العرض. يُبنى التوتر تدريجيًا، لا من خلال الأحداث، بل من خلال التململ الصامت في العيون، والنبرات المتصاعدة في الحوارات، والعجز الحركي الذي يتحوّل إلى تمرّد.

أداء الممثلين جاء متناغمًا مع هذه الروح. برز أداء مشرف القسم، بقدرته على التعبير عن الاحتقان والانكسار دون خطابة، بينما جسّد باقي الفريق حالة الاستسلام الجماعي بلغة جسد موحّدة. حافظ التمثيل على توازن دقيق بين السخرية الخفيفة والجدية الوجودية، ما أعطى العرض حيوية فكرية دون أن يُثقل على المتلقي.

السينوغرافيا كانت فاعلاً أساسياً

السينوغرافيا كانت فاعلة لا مكمّلة. ساعة ضخمة تحتل الخلفية، يخرج منها المدير المتسلّط، في مشهد يختزل رمزية الزمن كسلطة قاهرة. المكاتب المتناثرة، الإضاءة البيضاء الباردة، كل ذلك أعاد خلق بيئة مكتبية خانقة، تكاد تُشمّ فيها رائحة الورق المعفّن والعادات المتقادمة.

مع تصاعد التوتر، تبدأ عناصر الإضاءة والصوت في التحرّك: تتقطّع الإنارة، تتغيّر الإيقاعات، وتبدأ المشاهد في التفلّت من نمطها. في الخلفية، الترجمة المباشرة إلى الفرنسية والإنجليزية جعلت النص العربي يصل إلى الجمهور دون وسيط، دون أن يُفرّغ من شحنته العاطفية.

ليس علينا النظر إلى مسرحية «طوق» على أنها عرض من مسرح ناشئ، بل هو استمرارية للحركة الثقافية السعودية التي تمتد جذورها لعقود، وتعود اليوم لترسم ملامح جديدة، برؤى شابة . طوق عملٌ مسرحي مكتمل العناصر،. في داخل النص يكمن تمزّق الإنسان الحديث أمام آلة الزمن، وفي صوته تنعكس حاجة ملحّة للخروج من القيد – من الطوق. لقد عبّرت المسرحية عن جيل سعودي جديد يأتي ليقف على منصة عالمية.

فاصلة تاريخية:

بدايات المسرح السعودي المسجلة كانت مع كتابة حسين سراج مسرحية «الظالم نفسه» سنة 1932، ثم تأسس أول مركز مسرحي على يد أحمد السباعي في مكة عام 1960، وأطلق عروضاً مدرسية واجتماعية. شهدت الرياض أول عرض جماهيري بعنوان «ثمن الحرية» عام 1969، وتلتْه أول مسرحية تُبث تلفزيونيًّا «الرزة والبطن الخالي» سنة 1973. خلال السبعينيات والثمانينيات نشطت جمعية الثقافة والفنون في دعم الفرق وإقامة مهرجانات الهواة، مما رسخ حضور المسرح في التعليم والاحتفالات الوطنية. ومع رؤية 2030 أُنشئت هيئة المسرح والفنون الأدائية عام 2020، وافتُتح المسرح الوطني في مركز الملك فهد الثقافي عام 2019، لتبدأ مرحلة انفتاح دولي ومشاركات في مهرجانات كأفينّون وإنتاجات محلية متنوعة.

إذاعة الشرق 

شهد المسرح السعودي خلال الأعوام الأخيرة يقظة متأنّية تحمل في طيّاتها طموحًا للانفتاح على العالم دون قفزات استعراضية. جاءت مشاركة المملكة العربية السعودية في مهرجان أفينيون 2025 تتويجًا لهذا المسار، لا بوصفها مفاجأة دعائية، بل بوصفها امتدادًا طبيعيًا لوعي ثقافي يتشكّل بهدوء. في قلب هذه المشاركة برزت مسرحية «طوق» للمخرج فهد الدوسري، عملٌ اختير بعناية ليكون سفيرًا للمسرح السعودي الناشئ في فضاء أوروبي عريق، ناطقًا بالعربية الفصحى على خشبة لم تعتد سماعها كثيرًا.

قليل من العبث في الزمن 

عودة إلى مدرسة مسرح العبث في مسرحية «طوق» مع بنية درامية ذات طابع دائري، تتكرر فيها المشاهد لتعبّر عن سطوة الروتين وهيمنة الزمن على الإنسان. شخصيات العمل، موظفون في دائرة رتيبة، يعيدون تفاصيل يومهم بنفس الحوارات والحركات، في محاكاة مسرحية لعبث التكرار والجمود. داخل هذا النمط، يبرز مشرف القسم، شخصية تنزع إلى التمرد، فيسعى إلى كسر هذا التكرار ومخاطبة زملائه كي يشاركوه الخروج من الحلقة المفرغة.

يظهر الصراع هنا بين الإرادة الفردية وممانعة الجماعة، بين صوت الذات الباحثة عن معنى، وجوقة الحياة التي تسحقه بآلياتها المستقرة. يقدم النص فكرة عميقة ببساطة درامية: ما هو الثمن الذي يدفعه من يحاول الخروج عن الدور؟ وفي لحظة ذكية من العمل، يُكسر الجدار الرابع ويُسائل الممثل الجمهور صراحة: “ألم تملّوا بعد؟”، ليضع المتفرج وجهًا لوجه أمام نفسه وحياته اليومية.

لغة الإخراج وصوت الممثل

اعتمد المخرج فهد الدوسري في رؤيته على إيقاع داخلي مضبوط، يوظّف التكرار لا ليملّ المشاهد، بل ليجعله جزءًا من التجربة الذهنية التي يعيشها أبطال العرض. يُبنى التوتر تدريجيًا، لا من خلال الأحداث، بل من خلال التململ الصامت في العيون، والنبرات المتصاعدة في الحوارات، والعجز الحركي الذي يتحوّل إلى تمرّد.

أداء الممثلين جاء متناغمًا مع هذه الروح. برز أداء مشرف القسم، بقدرته على التعبير عن الاحتقان والانكسار دون خطابة، بينما جسّد باقي الفريق حالة الاستسلام الجماعي بلغة جسد موحّدة. حافظ التمثيل على توازن دقيق بين السخرية الخفيفة والجدية الوجودية، ما أعطى العرض حيوية فكرية دون أن يُثقل على المتلقي.

السينوغرافيا كانت فاعلاً أساسياً

السينوغرافيا كانت فاعلة لا مكمّلة. ساعة ضخمة تحتل الخلفية، يخرج منها المدير المتسلّط، في مشهد يختزل رمزية الزمن كسلطة قاهرة. المكاتب المتناثرة، الإضاءة البيضاء الباردة، كل ذلك أعاد خلق بيئة مكتبية خانقة، تكاد تُشمّ فيها رائحة الورق المعفّن والعادات المتقادمة.

مع تصاعد التوتر، تبدأ عناصر الإضاءة والصوت في التحرّك: تتقطّع الإنارة، تتغيّر الإيقاعات، وتبدأ المشاهد في التفلّت من نمطها. في الخلفية، الترجمة المباشرة إلى الفرنسية والإنجليزية جعلت النص العربي يصل إلى الجمهور دون وسيط، دون أن يُفرّغ من شحنته العاطفية.

ليس علينا النظر إلى مسرحية «طوق» على أنها عرض من مسرح ناشئ، بل هو استمرارية للحركة الثقافية السعودية التي تمتد جذورها لعقود، وتعود اليوم لترسم ملامح جديدة، برؤى شابة . طوق عملٌ مسرحي مكتمل العناصر،. في داخل النص يكمن تمزّق الإنسان الحديث أمام آلة الزمن، وفي صوته تنعكس حاجة ملحّة للخروج من القيد – من الطوق. لقد عبّرت المسرحية عن جيل سعودي جديد يأتي ليقف على منصة عالمية.

فاصلة تاريخية:

بدايات المسرح السعودي المسجلة كانت مع كتابة حسين سراج مسرحية «الظالم نفسه» سنة 1932، ثم تأسس أول مركز مسرحي على يد أحمد السباعي في مكة عام 1960، وأطلق عروضاً مدرسية واجتماعية. شهدت الرياض أول عرض جماهيري بعنوان «ثمن الحرية» عام 1969، وتلتْه أول مسرحية تُبث تلفزيونيًّا «الرزة والبطن الخالي» سنة 1973. خلال السبعينيات والثمانينيات نشطت جمعية الثقافة والفنون في دعم الفرق وإقامة مهرجانات الهواة، مما رسخ حضور المسرح في التعليم والاحتفالات الوطنية. ومع رؤية 2030 أُنشئت هيئة المسرح والفنون الأدائية عام 2020، وافتُتح المسرح الوطني في مركز الملك فهد الثقافي عام 2019، لتبدأ مرحلة انفتاح دولي ومشاركات في مهرجانات كأفينّون وإنتاجات محلية متنوعة.

مسرحية «طوق» في أفينيون 2025 نافذة على مشهدية في المسرح السعودي