• سبتمبر 2, 2025
  • سبتمبر 2, 2025

أ ف ب -وكالات- تحرير إذاعة الشرق 

بمجرّد أن ظهر القطار الأخضر المزيّن بخطوط ذهبية، عاد المشهد المألوف: الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون يفضّل سكك الحديد على أجنحة الطائرات. يوم الثلاثاء، توجّه كيم بقطاره المصفّح إلى الصين، حيث يشارك في عرض عسكري ضخم إلى جانب الرئيس الصيني شي جينبينغ ونظيره الروسي فلاديمير بوتين.

منذ وصوله إلى السلطة عام 2011، لم يُجرِ كيم سوى تسع رحلات خارجية، ومعظمها عبر القطار، بما في ذلك عبور الحدود نحو كوريا الجنوبية مرتين. هذا الخيار المتكرر ليس صدفة، بل جزء من إرث عائلي ورمز سياسي متجدد.

«قطار كيم ليس مجرد وسيلة نقل، بل مسرح دبلوماسي متنقل يربط رمزية السلطة بواقع الجغرافيا.»

إرث عائلي ثقيل

القصة تبدأ مع والده، كيم جونغ إيل، الذي عُرف بخوفه من الطيران. اقتصرت رحلاته الخارجية على التنقل بالقطار، خصوصاً إلى الصين وروسيا. الرحلة الأكثر شهرة جرت عام 2001 حين استغرق وصوله من بيونغ يانغ إلى موسكو 24 يوماً ذهاباً وإياباً، قطع خلالها 20 ألف كيلومتر. وعلى الرغم من طول المسافة، كان القطار يوفّر له رفاهية نادرة: جراد بحر طازج، نبيذ فرنسي فاخر، وولائم تُقدَّم بينما العربات تمضي على السكة.

لكنّ القطار كان أيضاً مسرحاً للنهاية. ففي 2011، وبحسب الرواية الرسمية، توفي كيم جونغ إيل نفسه على متنه، خلال ما وُصف بـ«زيارة توجيهية».

«منذ أيام كيم جونغ إيل، تحوّل القطار إلى قصر على عجلات، يحمل معه ترف الولائم وأمان الحماية، لكنه أيضاً جزء من أسطورة الحكم.»

اليوم، تعرض بيونغ يانغ العربات التي استقلّها الأب والجد، كيم إيل سونغ، في متحف مفتوح أمام المواطنين والزوار. إرثٌ متجذر في السلطة، يعكس تلازم صورة العائلة الحاكمة مع سكك الحديد.

مزيج من الحداثة والاستعراض

كيم جونغ أون، بخلاف والده، لا يخشى الطيران. سافر بالفعل جواً إلى سنغافورة والصين في مناسبات مختلفة. لكنه يفضّل في المحطات الكبرى القطار، لما يحمله من رسائل.

نشرت وكالة الأنباء الرسمية صوراً له جالساً على مكتب خشبي داخل إحدى العربات. بجواره حاسوب محمول، منفضة سجائر، مصباح، وآلة طباعة، بينما يتدلّى العلم الوطني الكوري الشمالي أمام ستائر مخملية داكنة. في صورة أخرى بدا مبتسماً، وحوله وزيرة الخارجية تشوي سون-هوي ومسؤولون كبار.

«القطار المصفّح أشبه بقلعة مقاومة للقذائف: وسيلة بطيئة لكنها قادرة على حمل الدولة بكاملها.»

هذه التفاصيل ليست عرضية. فكما تشرح بارك مين-جو، أستاذة في «المعهد الوطني للتعليم عن التوحيد» في سيول، فإن مرور القطار عبر المناطق الريفية «استعراض قوة أمام الناس»، يصوّر الزعيم وهو يعمل ساعات متأخرة على متنه، فيُقدَّم كقائد حاضر دائماً.

رحلات سابقة على القضبان

سافر كيم بالقطار إلى روسيا مرّتين للقاء بوتين: الأولى عام 2019 في فلاديفوستوك، والثانية عام 2023 إلى أقصى الشرق الروسي، رحلة استمرت عشرة أيام كاملة.

عام 2019 أيضاً، أمضى نحو 60 ساعة على السكة في طريقه إلى هانوي لحضور قمته الثانية مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي انتهت من دون اتفاق.

أما مع الصين، فقد زارها أربع مرّات بين 2018 و2019. الرحلتان الأولى والثانية كانتا على القطار، فيما استقل طائرته الخاصة «شاماي-1» في الرحلتين الأخريين. غير أن هذه الطائرة لم تُستخدم علناً منذ ذلك الحين، ويعتقد محللون أنها تعاني من تقادم ومشكلات صيانة.

قلعة على عجلات

بحسب محللين، تمتلك عائلة كيم عدداً من القطارات المتطابقة تقريباً، جميعها مصممة في مصانع بيونغ يانغ. القطار الحالي يتميز بنوافذ مضادّة للرصاص، جدران معزَّزة، وأرضيات مقاومة للمتفجرات.

يؤكد ليم إيول-شول، الأستاذ في «معهد دراسات الشرق الأقصى» بجامعة كيونغنام، أن «القطار أشبه بقلعة، قادر على مقاومة معظم القذائف المدفعية». ويرجّح أن يكون مزوّداً بإمكانات دفاعية وهجومية معاً، بحيث يتحمّل أي معركة محتملة.

ورغم أنه أبطأ من الطائرة، فإن القطار يمنح ميزة أساسية: القدرة على اصطحاب أعداد كبيرة من المساعدين والمعدات، وحتى المركبات. وهو أصعب بكثير في الاستهداف مقارنة بطائرة يمكن إسقاطها.

بين الأمن والسياسة

اختيار القطار ليس قراراً أمنياً فقط، بل رسالة سياسية. كما يوضح كوه يو-هوان، أستاذ الدراسات الكورية الشمالية في جامعة دونغوك، فإن «السفر بالقطار يستغرق وقتاً أطول، لكنه يُبقي الأنظار مسلطة على الزعيم». الرحلة تتحول بحد ذاتها إلى خبر عالمي، خصوصاً حين تكون مقدمة لقمم أو أحداث دبلوماسية كبرى.

لقد استخدم كيم القطار أيضاً في الداخل، كما حدث خلال زيارته لمناطق ضربتها الفيضانات العام الماضي. في الصور، بدا وهو يخاطب السكان من عربة مفتوحة الأبواب، محولاً وسيلة النقل إلى منبر سياسي.

بين الماضي والحاضر

القطار بالنسبة لعائلة كيم ليس فقط وسيلة انتقال آمنة، بل أيضاً رمز متوارث وسردية سلطة. في زمن تُقاس فيه السرعة بالدقائق، يفضّل الزعيم الكوري الشمالي البطء المدروس: بطء يعيد إنتاج صورة القوة، ويحوّل التنقل نفسه إلى جزء من الرسالة السياسية.

ورغم أن الطائرات الحديثة أسرع وأكثر عملية، فإن «القلعة المتحرّكة» تبقى الخيار الأول حين يريد كيم أن يبعث بإشارة مزدوجة: قوة متحصنة من جهة، وزعيم حاضر يعمل بلا توقف من جهة أخرى.

بهذا المعنى، يصبح القطار ليس مجرد وسيلة نقل، بل امتداداً للقصر الرئاسي، وواجهةً دعائية متنقلة، و—كما يراه محللون—جزءاً لا يتجزأ من «لغة الحكم» في كوريا الشمالية.

أ ف ب -وكالات- تحرير إذاعة الشرق 

بمجرّد أن ظهر القطار الأخضر المزيّن بخطوط ذهبية، عاد المشهد المألوف: الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون يفضّل سكك الحديد على أجنحة الطائرات. يوم الثلاثاء، توجّه كيم بقطاره المصفّح إلى الصين، حيث يشارك في عرض عسكري ضخم إلى جانب الرئيس الصيني شي جينبينغ ونظيره الروسي فلاديمير بوتين.

منذ وصوله إلى السلطة عام 2011، لم يُجرِ كيم سوى تسع رحلات خارجية، ومعظمها عبر القطار، بما في ذلك عبور الحدود نحو كوريا الجنوبية مرتين. هذا الخيار المتكرر ليس صدفة، بل جزء من إرث عائلي ورمز سياسي متجدد.

«قطار كيم ليس مجرد وسيلة نقل، بل مسرح دبلوماسي متنقل يربط رمزية السلطة بواقع الجغرافيا.»

إرث عائلي ثقيل

القصة تبدأ مع والده، كيم جونغ إيل، الذي عُرف بخوفه من الطيران. اقتصرت رحلاته الخارجية على التنقل بالقطار، خصوصاً إلى الصين وروسيا. الرحلة الأكثر شهرة جرت عام 2001 حين استغرق وصوله من بيونغ يانغ إلى موسكو 24 يوماً ذهاباً وإياباً، قطع خلالها 20 ألف كيلومتر. وعلى الرغم من طول المسافة، كان القطار يوفّر له رفاهية نادرة: جراد بحر طازج، نبيذ فرنسي فاخر، وولائم تُقدَّم بينما العربات تمضي على السكة.

لكنّ القطار كان أيضاً مسرحاً للنهاية. ففي 2011، وبحسب الرواية الرسمية، توفي كيم جونغ إيل نفسه على متنه، خلال ما وُصف بـ«زيارة توجيهية».

«منذ أيام كيم جونغ إيل، تحوّل القطار إلى قصر على عجلات، يحمل معه ترف الولائم وأمان الحماية، لكنه أيضاً جزء من أسطورة الحكم.»

اليوم، تعرض بيونغ يانغ العربات التي استقلّها الأب والجد، كيم إيل سونغ، في متحف مفتوح أمام المواطنين والزوار. إرثٌ متجذر في السلطة، يعكس تلازم صورة العائلة الحاكمة مع سكك الحديد.

مزيج من الحداثة والاستعراض

كيم جونغ أون، بخلاف والده، لا يخشى الطيران. سافر بالفعل جواً إلى سنغافورة والصين في مناسبات مختلفة. لكنه يفضّل في المحطات الكبرى القطار، لما يحمله من رسائل.

نشرت وكالة الأنباء الرسمية صوراً له جالساً على مكتب خشبي داخل إحدى العربات. بجواره حاسوب محمول، منفضة سجائر، مصباح، وآلة طباعة، بينما يتدلّى العلم الوطني الكوري الشمالي أمام ستائر مخملية داكنة. في صورة أخرى بدا مبتسماً، وحوله وزيرة الخارجية تشوي سون-هوي ومسؤولون كبار.

«القطار المصفّح أشبه بقلعة مقاومة للقذائف: وسيلة بطيئة لكنها قادرة على حمل الدولة بكاملها.»

هذه التفاصيل ليست عرضية. فكما تشرح بارك مين-جو، أستاذة في «المعهد الوطني للتعليم عن التوحيد» في سيول، فإن مرور القطار عبر المناطق الريفية «استعراض قوة أمام الناس»، يصوّر الزعيم وهو يعمل ساعات متأخرة على متنه، فيُقدَّم كقائد حاضر دائماً.

رحلات سابقة على القضبان

سافر كيم بالقطار إلى روسيا مرّتين للقاء بوتين: الأولى عام 2019 في فلاديفوستوك، والثانية عام 2023 إلى أقصى الشرق الروسي، رحلة استمرت عشرة أيام كاملة.

عام 2019 أيضاً، أمضى نحو 60 ساعة على السكة في طريقه إلى هانوي لحضور قمته الثانية مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي انتهت من دون اتفاق.

أما مع الصين، فقد زارها أربع مرّات بين 2018 و2019. الرحلتان الأولى والثانية كانتا على القطار، فيما استقل طائرته الخاصة «شاماي-1» في الرحلتين الأخريين. غير أن هذه الطائرة لم تُستخدم علناً منذ ذلك الحين، ويعتقد محللون أنها تعاني من تقادم ومشكلات صيانة.

قلعة على عجلات

بحسب محللين، تمتلك عائلة كيم عدداً من القطارات المتطابقة تقريباً، جميعها مصممة في مصانع بيونغ يانغ. القطار الحالي يتميز بنوافذ مضادّة للرصاص، جدران معزَّزة، وأرضيات مقاومة للمتفجرات.

يؤكد ليم إيول-شول، الأستاذ في «معهد دراسات الشرق الأقصى» بجامعة كيونغنام، أن «القطار أشبه بقلعة، قادر على مقاومة معظم القذائف المدفعية». ويرجّح أن يكون مزوّداً بإمكانات دفاعية وهجومية معاً، بحيث يتحمّل أي معركة محتملة.

ورغم أنه أبطأ من الطائرة، فإن القطار يمنح ميزة أساسية: القدرة على اصطحاب أعداد كبيرة من المساعدين والمعدات، وحتى المركبات. وهو أصعب بكثير في الاستهداف مقارنة بطائرة يمكن إسقاطها.

بين الأمن والسياسة

اختيار القطار ليس قراراً أمنياً فقط، بل رسالة سياسية. كما يوضح كوه يو-هوان، أستاذ الدراسات الكورية الشمالية في جامعة دونغوك، فإن «السفر بالقطار يستغرق وقتاً أطول، لكنه يُبقي الأنظار مسلطة على الزعيم». الرحلة تتحول بحد ذاتها إلى خبر عالمي، خصوصاً حين تكون مقدمة لقمم أو أحداث دبلوماسية كبرى.

لقد استخدم كيم القطار أيضاً في الداخل، كما حدث خلال زيارته لمناطق ضربتها الفيضانات العام الماضي. في الصور، بدا وهو يخاطب السكان من عربة مفتوحة الأبواب، محولاً وسيلة النقل إلى منبر سياسي.

بين الماضي والحاضر

القطار بالنسبة لعائلة كيم ليس فقط وسيلة انتقال آمنة، بل أيضاً رمز متوارث وسردية سلطة. في زمن تُقاس فيه السرعة بالدقائق، يفضّل الزعيم الكوري الشمالي البطء المدروس: بطء يعيد إنتاج صورة القوة، ويحوّل التنقل نفسه إلى جزء من الرسالة السياسية.

ورغم أن الطائرات الحديثة أسرع وأكثر عملية، فإن «القلعة المتحرّكة» تبقى الخيار الأول حين يريد كيم أن يبعث بإشارة مزدوجة: قوة متحصنة من جهة، وزعيم حاضر يعمل بلا توقف من جهة أخرى.

بهذا المعنى، يصبح القطار ليس مجرد وسيلة نقل، بل امتداداً للقصر الرئاسي، وواجهةً دعائية متنقلة، و—كما يراه محللون—جزءاً لا يتجزأ من «لغة الحكم» في كوريا الشمالية.

قطار الزعيم: قطار كيم جونغ أون المصفّح، قلعة متحرّكة على سكة التاريخ