سليمان ياسيني
منذ عقود، تضع فرنسا نفسها في موقع الوسيط بين العالم العربي وإسرائيل، لكنها في كل محطة رئيسية أظهرت ميلاً واضحًا لدعم الحقوق الفلسطينية.
للاستماع للمادة:
فرنسا… هذا البلد الذي طالما قدّم نفسه كصوتٍ للحرية وحقوق الشعوب، لم يكن غائبًا عن مسار القضية الفلسطينية. فمنذ السبعينيات، برزت باريس كأحد أبرز الداعمين للحق الفلسطيني، حين أيّدت عام 1974 الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني في الأمم المتحدة
ففي عام 1982، كان خطاب الرئيس فرانسوا ميتران أمام الكنيست بمثابة إعلان سياسي مبكر بأن أي سلام في المنطقة يمر حتمًا عبر إقامة دولة فلسطينية. ومنذ ذلك الحين، سعت باريس إلى التوازن بين شراكتها الاستراتيجية مع إسرائيل وبين إظهار استقلالية عن الموقف الأميركي التقليدي.
في التسعينيات، لعبت فرنسا دورًا داعمًا لاتفاق أوسلو، معتبرة أن العملية السياسية قد تفتح نافذة أوروبية للتأثير في الشرق الأوسط. لكن مع تعثر المفاوضات واندلاع الانتفاضة الثانية، تحوّل الموقف الفرنسي تدريجيًا نحو التشديد على البُعد القانوني الدولي، ورفض الإجراءات الأحادية مثل الاستيطان والضم.
وجاء التصويت الفرنسي عام 2012 لصالح منح فلسطين صفة “دولة مراقب” في الأمم المتحدة ليؤكد أن باريس تتحرك ضمن استراتيجية أوسع: تعزيز دورها الدولي عبر الملف الفلسطيني، وتقديم نفسها كقوة توازن أمام الولايات المتحدة داخل مجلس الأمن.
اليوم، مع إعلان فرنسا الاعتراف رسميًا بدولة فلسطين، يتضح أن باريس تترجم أقوالها إلى أفعال. هذه الخطوة تحمل عدة رسائل: أولها لإسرائيل بأن استمرار الاحتلال لم يعد يحظى بغطاء غربي موحد. وثانيها للاتحاد الأوروبي، حيث تريد فرنسا قيادة الموقف القاري تجاه حل الدولتين. أما الرسالة الثالثة فهي لواشنطن، ومفادها أن أوروبا يمكن أن تتحرك باستقلالية عندما يتعلق الأمر بالشرعية الدولية.
الموقف الفرنسي إذن ليس مجرد تعاطف تاريخي مع الفلسطينيين، بل هو خيار استراتيجي يعكس رؤية باريس لدورها العالمي ولمستقبل الاستقرار في الشرق الأوسط.
سليمان ياسيني
منذ عقود، تضع فرنسا نفسها في موقع الوسيط بين العالم العربي وإسرائيل، لكنها في كل محطة رئيسية أظهرت ميلاً واضحًا لدعم الحقوق الفلسطينية.
للاستماع للمادة:
فرنسا… هذا البلد الذي طالما قدّم نفسه كصوتٍ للحرية وحقوق الشعوب، لم يكن غائبًا عن مسار القضية الفلسطينية. فمنذ السبعينيات، برزت باريس كأحد أبرز الداعمين للحق الفلسطيني، حين أيّدت عام 1974 الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني في الأمم المتحدة
ففي عام 1982، كان خطاب الرئيس فرانسوا ميتران أمام الكنيست بمثابة إعلان سياسي مبكر بأن أي سلام في المنطقة يمر حتمًا عبر إقامة دولة فلسطينية. ومنذ ذلك الحين، سعت باريس إلى التوازن بين شراكتها الاستراتيجية مع إسرائيل وبين إظهار استقلالية عن الموقف الأميركي التقليدي.
في التسعينيات، لعبت فرنسا دورًا داعمًا لاتفاق أوسلو، معتبرة أن العملية السياسية قد تفتح نافذة أوروبية للتأثير في الشرق الأوسط. لكن مع تعثر المفاوضات واندلاع الانتفاضة الثانية، تحوّل الموقف الفرنسي تدريجيًا نحو التشديد على البُعد القانوني الدولي، ورفض الإجراءات الأحادية مثل الاستيطان والضم.
وجاء التصويت الفرنسي عام 2012 لصالح منح فلسطين صفة “دولة مراقب” في الأمم المتحدة ليؤكد أن باريس تتحرك ضمن استراتيجية أوسع: تعزيز دورها الدولي عبر الملف الفلسطيني، وتقديم نفسها كقوة توازن أمام الولايات المتحدة داخل مجلس الأمن.
اليوم، مع إعلان فرنسا الاعتراف رسميًا بدولة فلسطين، يتضح أن باريس تترجم أقوالها إلى أفعال. هذه الخطوة تحمل عدة رسائل: أولها لإسرائيل بأن استمرار الاحتلال لم يعد يحظى بغطاء غربي موحد. وثانيها للاتحاد الأوروبي، حيث تريد فرنسا قيادة الموقف القاري تجاه حل الدولتين. أما الرسالة الثالثة فهي لواشنطن، ومفادها أن أوروبا يمكن أن تتحرك باستقلالية عندما يتعلق الأمر بالشرعية الدولية.
الموقف الفرنسي إذن ليس مجرد تعاطف تاريخي مع الفلسطينيين، بل هو خيار استراتيجي يعكس رؤية باريس لدورها العالمي ولمستقبل الاستقرار في الشرق الأوسط.
