• مارس 29, 2025
  • مارس 29, 2025

إذاعة الشرق 

الإعلان عن عيد الفطر لحظة محورية في حياة المسلمين، تطورت عبر الزمن من وسائل بسيطة إلى أساليب حديثة، لكنها جميعًا تتمحور حول رؤية الهلال، إيذانًا بانتهاء رمضان وبدء العيد.

منذ زمن النبي محمد ﷺ، اعتمد المسلمون رؤية الهلال لتحديد بداية الشهور القمرية. وقد ورد في الحديث الشريف: “صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته…”، وكان النبي يأمر الناس بالإفطار والخروج لصلاة العيد بمجرد ثبوت رؤية هلال شوال. بذلك بدأ أول تقليد ديني لإعلان العيد مبنيّ على الشهادة البصرية أو إكمال الشهر ثلاثين يومًا.

في عصور الخلافة الراشدة والدولة الأموية، استمرت الرؤية الشرعية كأساس، لكن ظهرت طرق جديدة لنقل الخبر في الدولة الإسلامية الواسعة. كانت المساجد والمنابر تُستخدم لإعلان ثبوت الهلال، بينما يطوف المنادون أو “البراحون” في الأسواق والساحات لإبلاغ العامة. وقد كان المسافرون وقوافل التجار والحجاج يحملون معهم “بشائر العيد” من المدن الكبرى إلى القرى والمناطق البعيدة، لتصل أخبار العيد تدريجيًا حسب الإمكانيات.

مع مرور الزمن، ظهرت تقاليد محلية مميزة للمساعدة في إعلان وقت الإفطار أو قدوم العيد. من أشهرها استخدام المدفع. وعن ذلك هناك روايتان الأولى أن بداية تقليد مدفع رمضان في مصر كانت خلال العصر المملوكي بالقرن الخامس عشر هجري، حين تذكر الروايات أن السلطان المملوكي خشقدم جرّب مدفعًا جديدًا عند الغروب فصادف توقيت أذان المغرب في رمضان، فظن الناس أنه أطلقه لتنبيههم إلى موعد الإفطار وشكروه على هذه البدعة الحسنة​. استحسن السلطان الفكرة واستمر إطلاق المدفع كل يوم إيذانًا بالإفطار. وبينما الرواية الثانية فتاتي بعدها بقرون، في عصر الخديوي إسماعيل (إي في القرن التاسع عشر)، يُروى أن جنودًا أطلقوا قذيفة مدفع بالخطأ وقت المغرب فظن الناس مرة أخرى أنه إعلان رسمي، وعندما بلغ الخبر ابنة الخديوي فاطمة أعجبتها الفكرة فأصدرت فرمانًا باعتماد المدفع عند الإفطار والإمساك وفي الأعياد الرسمية​. وهكذا ترسّخ تقليد المدفع في مصر ثم انتقل إلى بلدان أخرى؛ فقد انتشرت الفكرة إلى مدن الشام كالقدس ودمشق ثم إلى بغداد ثم إلى سائر أنحاء الخليج وآسيا وأفريقيا​

. وأصبح دويُّ المدفع في مساء اليوم الأخير من رمضان إشارة مفرحة تُعلن للمواطنين أن رمضان قد انتهى وأن عيد الفطر قد هلّ هلاله. وحتى يومنا هذا، تحرص بعض الدول على إطلاق طلقات مدفعية احتفالية ليلة العيد أو صباحه إيذانًا ببدء العيد​، كجزء من المحافظة على هذا الإرث الشعبي.

المدفع والمسحراتي من أبرز شخصيات الإعلان عن العيد

إلى جانب المدفع، كانت شخصية “المسحراتي” تلعب دورًا لطيفًا في الإعلان الشعبي غير الرسمي. صحيح أن مهمته الأساسية كانت إيقاظ الناس للسحور، لكنه في الليلة الأخيرة من رمضان كان أحيانًا يطوف بالأحياء مبشرًا الناس بالعيد، منشِدًا ومهللاً، في جو من الفرح والبساطة.

مع العصر الحديث، تطورت وسائل الإعلان بفضل الإعلام والاتصال. ومع ذلك، لا تزال أغلب الدول العربية والإسلامية تعتمد على رؤية الهلال، حيث تُشكَّل لجان رسمية تضم فقهاء وفلكيين لتحريه في مساء 29 رمضان. عند ثبوت الرؤية، يصدر بيان رسمي يُذاع عبر التلفزيون والإذاعة، وغالبًا ما يصحبه تكبيرات من المساجد وتغطية إعلامية واسعة. وإذا لم تُرَ الهلال، يُعلن أن رمضان سيُستكمل ثلاثين يومًا.

بعض الدول، مثل السعودية، تنتظر إعلان المحكمة العليا، بينما في مصر تصدر دار الإفتاء البيان الرسمي. في المغرب، يُتمسّك بالرؤية المحلية داخل البلاد حتى وإن خالفت بقية الدول. سوريا والأردن وسلطنة عمان تتبع إجراءات مشابهة عبر الجهات الدينية المختصة.

في المقابل، اختارت دول مثل تركيا الاعتماد على الحساب الفلكي، حيث تعلن موعد العيد سلفًا ضمن تقويم سنوي. وبهذا يضمن المواطنون معرفة يوم العيد مسبقًا. هذا النموذج اتبعته أيضًا الجاليات المسلمة في أوروبا، لا سيما في فرنسا، حيث أقر المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية مبدأ الحساب لتوحيد موعد العيد بين المسلمين في البلاد، منعًا للاختلاف داخل المجتمع الواحد.

ورغم اختلاف طرق الإعلان، يبقى المبدأ الديني واحدًا: معرفة بداية شوال إما برؤية الهلال أو بالحساب. أما طرق تبليغ الناس فتنوّعت وتكيفت مع الزمن: من صوت المؤذن والمنادي، إلى قرع طبلة المسحراتي، إلى دوي المدفع، وحتى إشعارات الهاتف وتغريدات وسائل الإعلام.

في جميع هذه الطرق، تظل لحظة إعلان العيد مناسبة احتفالية بحد ذاتها، تُمهّد لصلاة جماعية، وتبادل تهانٍ، وصلة رحم، وبهجة يشعر بها الكبير والصغير. إنها لحظة تتوحد فيها القلوب، وتُعلن انتهاء الصوم وبداية أيام الفرح، مهما اختلف الزمان والمكان والطريقة.

إذاعة الشرق 

الإعلان عن عيد الفطر لحظة محورية في حياة المسلمين، تطورت عبر الزمن من وسائل بسيطة إلى أساليب حديثة، لكنها جميعًا تتمحور حول رؤية الهلال، إيذانًا بانتهاء رمضان وبدء العيد.

منذ زمن النبي محمد ﷺ، اعتمد المسلمون رؤية الهلال لتحديد بداية الشهور القمرية. وقد ورد في الحديث الشريف: “صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته…”، وكان النبي يأمر الناس بالإفطار والخروج لصلاة العيد بمجرد ثبوت رؤية هلال شوال. بذلك بدأ أول تقليد ديني لإعلان العيد مبنيّ على الشهادة البصرية أو إكمال الشهر ثلاثين يومًا.

في عصور الخلافة الراشدة والدولة الأموية، استمرت الرؤية الشرعية كأساس، لكن ظهرت طرق جديدة لنقل الخبر في الدولة الإسلامية الواسعة. كانت المساجد والمنابر تُستخدم لإعلان ثبوت الهلال، بينما يطوف المنادون أو “البراحون” في الأسواق والساحات لإبلاغ العامة. وقد كان المسافرون وقوافل التجار والحجاج يحملون معهم “بشائر العيد” من المدن الكبرى إلى القرى والمناطق البعيدة، لتصل أخبار العيد تدريجيًا حسب الإمكانيات.

مع مرور الزمن، ظهرت تقاليد محلية مميزة للمساعدة في إعلان وقت الإفطار أو قدوم العيد. من أشهرها استخدام المدفع. وعن ذلك هناك روايتان الأولى أن بداية تقليد مدفع رمضان في مصر كانت خلال العصر المملوكي بالقرن الخامس عشر هجري، حين تذكر الروايات أن السلطان المملوكي خشقدم جرّب مدفعًا جديدًا عند الغروب فصادف توقيت أذان المغرب في رمضان، فظن الناس أنه أطلقه لتنبيههم إلى موعد الإفطار وشكروه على هذه البدعة الحسنة​. استحسن السلطان الفكرة واستمر إطلاق المدفع كل يوم إيذانًا بالإفطار. وبينما الرواية الثانية فتاتي بعدها بقرون، في عصر الخديوي إسماعيل (إي في القرن التاسع عشر)، يُروى أن جنودًا أطلقوا قذيفة مدفع بالخطأ وقت المغرب فظن الناس مرة أخرى أنه إعلان رسمي، وعندما بلغ الخبر ابنة الخديوي فاطمة أعجبتها الفكرة فأصدرت فرمانًا باعتماد المدفع عند الإفطار والإمساك وفي الأعياد الرسمية​. وهكذا ترسّخ تقليد المدفع في مصر ثم انتقل إلى بلدان أخرى؛ فقد انتشرت الفكرة إلى مدن الشام كالقدس ودمشق ثم إلى بغداد ثم إلى سائر أنحاء الخليج وآسيا وأفريقيا​

. وأصبح دويُّ المدفع في مساء اليوم الأخير من رمضان إشارة مفرحة تُعلن للمواطنين أن رمضان قد انتهى وأن عيد الفطر قد هلّ هلاله. وحتى يومنا هذا، تحرص بعض الدول على إطلاق طلقات مدفعية احتفالية ليلة العيد أو صباحه إيذانًا ببدء العيد​، كجزء من المحافظة على هذا الإرث الشعبي.

المدفع والمسحراتي من أبرز شخصيات الإعلان عن العيد

إلى جانب المدفع، كانت شخصية “المسحراتي” تلعب دورًا لطيفًا في الإعلان الشعبي غير الرسمي. صحيح أن مهمته الأساسية كانت إيقاظ الناس للسحور، لكنه في الليلة الأخيرة من رمضان كان أحيانًا يطوف بالأحياء مبشرًا الناس بالعيد، منشِدًا ومهللاً، في جو من الفرح والبساطة.

مع العصر الحديث، تطورت وسائل الإعلان بفضل الإعلام والاتصال. ومع ذلك، لا تزال أغلب الدول العربية والإسلامية تعتمد على رؤية الهلال، حيث تُشكَّل لجان رسمية تضم فقهاء وفلكيين لتحريه في مساء 29 رمضان. عند ثبوت الرؤية، يصدر بيان رسمي يُذاع عبر التلفزيون والإذاعة، وغالبًا ما يصحبه تكبيرات من المساجد وتغطية إعلامية واسعة. وإذا لم تُرَ الهلال، يُعلن أن رمضان سيُستكمل ثلاثين يومًا.

بعض الدول، مثل السعودية، تنتظر إعلان المحكمة العليا، بينما في مصر تصدر دار الإفتاء البيان الرسمي. في المغرب، يُتمسّك بالرؤية المحلية داخل البلاد حتى وإن خالفت بقية الدول. سوريا والأردن وسلطنة عمان تتبع إجراءات مشابهة عبر الجهات الدينية المختصة.

في المقابل، اختارت دول مثل تركيا الاعتماد على الحساب الفلكي، حيث تعلن موعد العيد سلفًا ضمن تقويم سنوي. وبهذا يضمن المواطنون معرفة يوم العيد مسبقًا. هذا النموذج اتبعته أيضًا الجاليات المسلمة في أوروبا، لا سيما في فرنسا، حيث أقر المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية مبدأ الحساب لتوحيد موعد العيد بين المسلمين في البلاد، منعًا للاختلاف داخل المجتمع الواحد.

ورغم اختلاف طرق الإعلان، يبقى المبدأ الديني واحدًا: معرفة بداية شوال إما برؤية الهلال أو بالحساب. أما طرق تبليغ الناس فتنوّعت وتكيفت مع الزمن: من صوت المؤذن والمنادي، إلى قرع طبلة المسحراتي، إلى دوي المدفع، وحتى إشعارات الهاتف وتغريدات وسائل الإعلام.

في جميع هذه الطرق، تظل لحظة إعلان العيد مناسبة احتفالية بحد ذاتها، تُمهّد لصلاة جماعية، وتبادل تهانٍ، وصلة رحم، وبهجة يشعر بها الكبير والصغير. إنها لحظة تتوحد فيها القلوب، وتُعلن انتهاء الصوم وبداية أيام الفرح، مهما اختلف الزمان والمكان والطريقة.

هكذا عرفنا أن غدًا العيد: حكاية الإعلان بين الماضي والحاضر